هل أنت أناني وأنانيتك بلا أنانية؟!
غالية خوجة
كيف يعرف الإنسان منا أنه أناني؟ وكيف تكون الأنانية بلا أنانية؟
للأنانية أشكال مختلفة، منها حب التملك المرَضي والتسلط المرضي والاتّكالية المرضية، وكل ما يخص محبة الذات وتفضيلها على الآخرين هو بوابة للأنانية التي تفتح مصراعيها على مرض جواني، وتجعل من فاعلها إنساناً متوهماً، متضخماً، غير سويّ، يظنّ نفسه الأحقّ من الجميع بكل شيء، وبذلك، تترعرع الأنانية جمراً في قلوب المرضى، وطفيليات ملغومة تنهش بمن تتعايش معه، وتصيب المجتمع بآفة خطيرة تنخر في تكوينه لتساهم مع المؤثرات الأخرى في تفككه وتشرذمه وتراجعه وتخلّفه واضطرابه، مما يجعل الجميع في سفينة ثقبتها أنانية الأفراد ففقدت توازنها وصارت تتحطم وسط الأمواج الداخلية والخارجية.
لذلك، إذا أردت أن تخرب إنساناً وأسرة ومجتمعاً وأمة فازرع الأنانية في النفوس لتحصد دماراً شاملاً لا يكلفك شيئاً سوى تعزيز الأنا وتكون نتائجه مثمرة أكثر من نتائج الحروب مجتمعة.
وهذه الأنانية أحد الأسلحة الأزلية التي يدركها علم النفس وخبراؤه، ومنهم أعداء الإنسان والأوطان، فيسعون إلى غرسها وإنباتها واستنباتها إلى أن تترعرع، وتكون غير قابلة للانتزاع مثل الألغام، لأنها تصبح لغماً خارج السيطرة حتى على صاحبها، وهي السبب الأساسي للانتقام والحقد والحسد والطاقة السلبية أعاذنا الله وإياكم.
الأنانية طفيليات ملغومة تصيب حاملها وتنتقل بالعدوى في حال نضوب الوعي، وتشرعن نفسها بنفسها مما يجعلها عرفاً سلبياً يحتاج إلى الاجتثاث إلاّ في حالات إيجابية.
لكن، متى تكون الأنانية إيجابية؟
بلا شك، وتتفقون معي، بأن الأنانية في محبة الوطن والأخلاق والآداب والعلم والعمل والتقدم والمسؤولية والإبداع والبناء الفعّال هي إيجابية لأنها تهدف إلى البناء والتطوير بدءً من الأنا الفردية، وبذلك تصبح أنانية بلا أنانية، لأنها تؤثِر المجموع على الأنا، ومن الممكن أن أسمّيها “أنا النحنُ”، لأنها أنا الأنتَ والأنتِ والهو والهي والهم والهنّ، إنها “أنا الضمائر” بكافة أشكالها وتجلياتها وحضوراتها، ومن الممكن الاهتمام بها وإيقاظها في مراحلها المبكرة التي تسبق مرحلة الجنين، وذلك من خلال الأم والأب وأجدادهما، ثم من خلال مرحلة الطفولة الأولى، ودور التربية والتنشئة التي تغرس الوعي باللعب المشترك مع الأقران، وعدم التشبث بملكية الألعاب، وعدم الإيذاء أثناء اللعب، بل اعتبار اللعب مرحلة تربوية وتعليمية، مما يساهم في بناء الطفل، ومنذ صغره، على التعاون والتشارك والمحبة والتعلّم من اللعبة وشركاء اللعبة، ولا بد من تعزيز هذه النزعة من خلال حكايات ما قبل النوم، وجلسات قراءة القصة والحكاية والموسيقا والأغاني الهادفة الخاصة بكل مرحلة عمرية، ولا بد وأن تساهم بذلك الأسرة قبل المدرسة، وهذا الإعداد لا بد له من وعي عائلي يساعد على ممارسته وتجذيره بين الأطفال، وينتقل إلى محيط العائلة من أقارب وأصدقاء ومعارف، وبذلك تتحول الأنا من نقطة سوداء تمتص كل شيء، إلى نقطة ضوء شفافة تعكس كل شيء، وتنير ذاتها ومن حولها، فلا تسمح للشوائب أن تتسرب إليها، ولا تجعل الأنانية المرضية تسيطر على تفكيرها وسلوكها وحياتها، مما يجعل هذه الأنا حالة طامحة مساهمة في بناء ذاتها والآخرين في كافة مراحل تقدّم هذه الأنا عمراً فيزيائياً، عقلياً، وروحياً، فتسلم من الأمراض النفسية وتسلم عائلتها ومجتمعها، لأنها لم تفكر يوماً بوهمٍ اسمه المعاصر “أنا ومن بعدي الطوفان ثم ليخرب العالم”، بل تسعى لتطبيق “ربّ فئة قليلة غلبت فئة كثيرة”، فتتوحد الأنوات لصالح الأنا الجمعية، أي لصالح أنا المجتمع والوطن.