الفاسدون والمنتفعون في كرتنا يريدون لجنة بلا قرارات ودوري بلا عقوبات
البعث الأسبوعية – ناصر النجار
أحيطت المواسم الكروية الماضية بفوضى عارمة، هذه الفوضى كان سببها التراخي في التعامل مع كل الأحداث التي تجري في المباريات وعلى المدرجات لدرجة أن التمادي في خرق القوانين والأنظمة صار أمراً طبيعياً لعدم وجود الضوابط ولعدم استعمال اتحاد الكرة حقهُ في ضبط كل حالات الشطط والشغب المنظورة أمامهُ وأمام الناس كلهم من خلال تطبيق القوانين حسب لائحة الإجراءات الانضباطية التي غُيبت لأسباب مختلفة منها الرغبة بعدم التطبيق ومنها مسايرة الأندية، ظناً من القائمين على كرة القدم في حينهِ ، أن تخفيف العقوبات إلى حدها الأدنى وتجاهل الكثير من حالات الشغب وخرق قواعد الأخلاق الرياضية واللعب النظيف سيسير بالدوري إلى شط الأمان، ولكن ما حدث كان العكس فرأينا الكثير من الحالات التي لا تعكس السير الصحيح للدوري كالانسحاب من المباريات وتكسير الملاعب وقد حدث ذلك الموسم الماضي مرتين ولم يجابه بأي عقوبة وكأن شيئاً لم يكن، وحالات كثيرة في المباريات قد تدخل في خانة النزاهة وغيرها.
حكام الكرة أيضاً تعاملوا مع الدوري بعدم الجدية لأنهم اقتنعوا أن الدوري يسير دون ضوابط وأن أصحاب القرار غير جادين في ضبط المجريات ومكافحة الشغب ولسنا هنا بمعرض استعراض ما حدث في الموسم الماضي على الأقل.
اتحاد الكرة بحُلتهِ الجديدة رأى في هذه المشاهد السوداء حالة سلبية لا تخدم كرة القدم، ولا تخدم الدوري والمسابقات الرسمية واتّبع النظام المعمول به في اتحادين الدولي والآسيوي عبر ترشيح أحد القانونيين الأكاديميين وخبراء كرويين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وذلك لضبط مسابقات الاتحاد عبر التطبيق الجاد للعقوبات من خلال اللوائح الانضباطية ضمن مساحة الأخطاء المرتكبة بعدالة كاملة دون زيادة أو نقصان.
لجنة الأخلاق والانضباط والمرشحة من قبل اتحاد كرة القدم نالت موافقة الجمعية العمومية لاتحاد كرة القدم، وتم تكليف الدكتور فراس المصطفى (دكتوراه بالقانون الدولي) نائب رئيس لجنة الأخلاق والانضباط بدراسة اللوائح الانضباطية السابقة وإجراء التعديلات القانونية الممكنة عليها من خلال خبرته الرياضية وقد أمضى سنوات عمره الأولى لاعباً في الفئات العمرية لنادي الجيش حتى أبعدته الإصابة عن الملاعب، وتولى مهام رياضية عدة بعدها، ومن خلال خبرته القانونية واطلاعه على قوانين الاتحادين الدولي والآسيوي كان التعديل الجديد، حسب النظام الأساسي لاتحاد كرة القدم وتم عرض ذلك على لجان (الانضباط- الاستئناف- القانونية- المسابقات- الحكام) وصادق عليه مجلس اتحاد كرة القدم ليكون نافذاً مع بدء الموسم الكروي الجديد.
وقبل انطلاق الموسم الكروي الجديد تعاملت لجنة الأخلاق والانضباط مع الأدوار النهائية من كأس الجمهورية حسب اللوائح القديمة، وأصدرت قراراتها الانضباطية التي لاقت ردود أفعال إيجابية في الشارع الكروي باستثناء الأندية المعاقبة التي حاولت بكل جهدها طي العقوبات ولم تفلح.
ومع كل مرحلة من مراحل الدوري كانت تصدر حزمة جديدة من العقوبات تضبط فيها الحالات التي ظهرت في المباريات وأيدتها التقارير الخاصة بالمباريات أو بالمشاهدات المرئية والتلفزيونية التي أجازها القانون، ومع صدور هذه القرارات بدأ بعضهم بالهجوم على اتحاد كرة القدم ولجنة الأخلاق والانضباط، وللأسف يتم تجييش بعض الجماهير عبر صفحات التواصل الاجتماعي وكأنهم يريدون لجنة بلا قرارات ودوري بلا عقوبات، بل إن بعضهم دعا إلى انسحاب الأندية الجماهيرية من الدوري متناسياً أن الكبير بأخلاقه وليس بشغبه، لكن الغريب أن بعضاً ممن هم في مواقع المسؤولية الكروية من (صغار الكسبة) طالبوا بحجب الثقة عن اللجنة لأنها تطبق القانون!
مسيرة الدوري ستستمر، وأحوال الملاعب ستكون بخير، والشرذمة القليلون المشاغبون لن يكون لها موقع على المدرجات بعد الآن، فشهران ونيف مرا على عمل لجنة الأخلاق والانضباط، كيف كان سير العمل، وكيف يتم إصدار العقوبات، وما هي العقبات التي تعترض اللجنة؟
“البعث الأسبوعية” التقت الدكتور فراس المصطفى نائب رئيس لجنة الأخلاق والانضباط ليجيبنا على هذه التساؤلات:
– كيف وجدت سير العمل في اللجنة، وكيف تنظرون إلى ردود الأفعال؟
كل عمل يواجه صعوبات عديدة، ولا يوجد عمل سهل، وهذه طبيعة الحياة، الصعوبات التي تواجهها اللجنة قد تكون تقنية وتتعلق بتأخر وصول بعض التقارير أو عدم توصيف كل الحالات كما حدث بمباراة الوحدة وأهلي حلب بدمشق مما حدا باللجنة إلى المتابعة عبر الوسائل القانونية المتاحة وعبر سؤال مرسلي التقارير للتأكد مما كتب ومما أغفل، وذلك طلباً للعدالة قبل اتخاذ أي قرار إضافة إلى أني كنت حاضراً للمباراة شخصياً ورأيتها رأي العين.
والمشكلة الأصعب عندما تجد قلة من المراقبين يمارسون دور (شاهد ما شفش حاجة) مع العلم أن الحكام رصدوا هذه الحالات، وأعتقد أن الأخوة في لجنة المسابقات يقيّمون تقارير المراقبين ويضعون الحلول لكل تقصير يحدث من أي مراقب وهذا ما نرجوهُ.
أما عن ردود الأفعال فمن الطبيعي أن يتأثر المعاقب ويحاول بما أوتي من وسائل أن يلغي العقوبة أو يخفف من تأثيرها، والقانون أوجد الاستئناف ويمكن اللجوء إليه كحل أخير في مواجهة العقوبات، واللجنة الاستثنائية تعمل وفق القانون لتصدر حكمها النهائي في الحالات التي تستوجب الاستئناف، ومعلوم أن العقوبات التي تزيد عن الإيقاف لمدة أربع مباريات أو الغرامات التي تزيد قيمتها عن المليوني ليرة سورية تخضع للاستئناف.
-بعضهم يتحدث عن موضوع الحياد والنزاهة في اللجنة؟
في موضوع الحياد فإن أعضاء اللجنة هم من جسم كرتنا الوطنية، والمتعارف عليه أنه عندما تُبحثُ قضية لنادٍ معين فإن العضو المنتسب لهذا النادي ينسحب من النقاش، مع العلم أن جميع أعضاء النادي غير عاملين في الأندية وفي المؤسسات الكروية وهم مستقلون تماماً ومحايدون.
أما ما يخص النزاهة فهو أمر لم نُتهم به وعلى العكس فإن مشكلتنا مع البعض أننا نطبق القوانين بعدالة ونزاهة على الجميع.
– يُشاع في أروقة اتحاد كرة القدم أن لجنة الأخلاق والانضباط تتجاوز صلاحياتها القانونية بحجة استقلالها عن الاتحاد؟
العلاقة بين لجنة الأخلاق والانضباط واتحاد كرة القدم هي علاقة تكاملية وليست تفاضلية بين طرفين وخصوصاً أن اللجنة نالت شرف الترشيح من اتحاد الكرة وثقة الجمعية العمومية للمؤتمر الكروي، وهذا يؤكد أن عمل اللجنة وسر نجاحها يأتي من خلال العمل على ما أتمنها اتحاد الكرة عليه واستودعاها على تطبيق اللائحة لإنجاح سير المسابقات، ولهذا فإننا نفهم أن العلاقة بين اللجنة والاتحاد هي علاقة تكامل وأداء أمانة تجاه من أتمن اللجنة على هذا العمل وهو اتحاد الكرة.
– بعضهم يعترض على اعتماد اللجنة في مداولاتها على غير التقارير كمشاهدات الفيديو مثلاً؟
بداية ذكرنا أن المهمة الأساسية للجنة تطبيق اللائحة وبنودها، وليس للجنة أن تتخذ أي قرار دون الاستناد إلى نص من نصوص اللائحة، أما بخصوص شرعية العودة إلى أشرطة الفيديو فهذا شأنه شأن جميع المصادر التي تستند إليها اللجنة في قراراتها في إثبات المخالفة وهو ذو أصل أصيل في اللائحة والمادة التي تجيزه هي المادة التاسعة والأربعون ونصها:
49-1يعود للجنة الانضباط حق تفسيرهذه اللائحة كما وردت بالنص.
49-2-يعود للجنة الانضباط حق تقدير الإجراءات التأديبية ضمن صلاحياتها لمخالفات التي لم يرد بشأنها نص في هذه اللائحة أو ترى اللجنة بأن تتشدد بذلك أمراً ضرورياً.
49-3 يعود للجنة الانضباط اتخاذ العقوبات المناسبة استناداً إلى أشرطة المباريات دون ذكرها في تقارير الحكام والمراقبين.
واللجوء إلى الفيديو يثبت حالة أو يلغي حالة، فقد تكون إحدى الحالات التي اتخذها الحكم متسرعة كحالات الطرد، ويمكن إلغاؤها عبر المشاهدة بالفيديو.
-السؤال المُلح الذي يطرحه الشارع الكروي: ما وجه الخلاف بعقوبة البصق بين حسن أبو زينب (أربع مباريات) ومحمد كامل كواية (عاماً كاملاً)؟
من المعلوم للجميع أن عقوبة لاعب تشرين حسن أبو زينب كانت في نصف نهائي كأس الجمهورية، ولأن هذه المسابقة كانت استكمالاً للموسم الماضي فقد اعتمدت لجنة الأخلاق والانضباط لائحة الموسم الماضي في قراراتها، أما حالة لاعب أهلي حلب محمد كامل كواية فقد حدثت في الموسم الجديد واعتمدت العقوبة بناء على اللائحة الجديدة المعدلة، فالعقوبة اختلفت باختلاف اللائحة الجديدة.
-هل وجدتَ جدوى من تطبيق لائحة الأخلاق بهذه الطريقة التي وصفت بالحزم وخصوصاً أنكَ من وضعتَ بعض التعديلات الصارمة وأهمها كلمة الأخلاق؟
وجدتُ كما وجد كل منصف للقرارات التي اتخذتها اللجنة في مسابقة الكأس وبداءة الدوري الأثر الإيجابي على المسابقات حيث بدأت مظاهر الشغب بالانحسار رويداً رويداً.
لأن العمل على تكريس ثقافة الأخلاق الرياضية والقيم النبيلة بين جماهير الأندية من خلال تطبيق القانون على الجميع والتأكيد على كلمة الجميع هو دليل رؤية سليمة وطبيعة إنسانية لأن ذلك لا يُصادم الفطرة البشرية بل على العكس عندما تعمل جاهداً على تطبيق القانون على الجميع سوف تجني ثماراً رياضية وأخلاقية واجتماعية، والجماهير الرياضية ركن ركين في المجتمع وهذا يدركه كل ذي لُبٍ، إذاً لابد من تحري الصواب في عمل اللجنة، إلى جانب الإخلاص، وفي ضوء وجود بيئة كروية رديئة التربة مُختلة الموازين إلا ما رحم ربكَ، وبعد أن طالَ التَمحْلُ وغابت حُلولُ المتعاقبين على إدارة المسابقات الرياضية بجانبها الأخلاقي والانضباطي أرى حتمية توعية الجماهير فأنا ضد الإكراه على الفضيلة والأخلاق الرياضية لأن ذلك لا يصنع إنساناً رياضياً فاضلاً، فالحرية في الاختيار بين أمرين على حدٍ سواء أساس الفضيلة لأنه يؤكد وجود الإرادة .
-ما الثمرات التي جنتها المسابقات الرسمية منذ بدا عمل اللجنة؟
كما لاحظ الجميع أن بداية عمل اللجنة واجهت صعوبات جمّة وحوربت بشكل علني وخفي لأن اللجنة بشكلها الحالي غير اعتيادي من حيث التكوين وآلية عملها الحالي جفّف الكثير من ينابيع الفساد في مفاصل اللعبة على جميع المستويات المادية وحتى منها المعنوية باستثمار المسؤولية المهنية وكأنها ميّزة عند بعضهم وقسْ على ذلك.
والأهم رغم هذا وذاك أن تجد بعد مضي المراحل الخمسة الأولى من الدوري أن المرحلتين الأخيرتين خلتا من أي شغب بشكله السابق والفاجر في الملاعب كافة، وهذا يُبشّر بنمو ثقافة الفوز والخسارة والتواد والتراحم بين جماهير الأندية مما ينعكس فنياً على مستوى الفرق كلها بشكلٍ تدريجي، لأن الجهود لن تتشتت من أجل الاعتراض والشغب وتنصب على التطور والتقدم الفني.
كل هذا ساهم في ضبط الدوري وكل الذين حاربوا اللجنة سيما بشكل مباشر أو غير مباشر يعتبرون من أنصار بيئة الفوضى والشغب في الملاعب.
-يتداول بعضهم أنه يجب حجب الثقة عن لجنتكم ما هو موقفكم من هذا الأمر؟
نحن لا نلتفت إلى هذه الجَلبَة الفيسبوكية، وهذا يزيدنا قوةً على قوةٍ بتحري العدالة والرسوخ أكثر بتطبيق القانون على الجميع وحسبنا أن العدل غايتنا ولا شيء سواهُ وسوف نمتثل لقرار الجمعية العمومية إن انعقدت لحجب الثقة عنا كما احترمنا قرارها بمنحنا الثقة، لكن حجب الثقة هذا يتطلب مبررات قانونية واجبة الوضوح للفيفا، لأننا لم نأت إلا بطريقة قانونية محترمة وكذلك سبيل العودة لابد أن يكون قانونياً، عندها هل سنقولُ للفيفا إننا حجبنا الثقة عن اللجنة لأنها تطبق القانون!
-بعد هذه الضغوط التي تعرضت لها اللجنة عموماً وأنت خصوصاً هل سيتم تغير المنهج أو الابتعاد عن اللجنة كما يصبو إليه المفسدون؟
في هذه الأيام وهذا الوسط الكروي بالذات من ذا الذي لا يُقالُ فيه شيءٌ، ومن ذا الذي لا يُنالُ بشيءٍ ومن ذا الذي لا يُنعتُ بكذا وكذا، إذا رضيهُ أنصارُ نادٍ سخطهُ أنصارٌ آخرون، طالما طالتهم عقوبة نتيجة مخالفة، وهذا شيء منتظر ولو لم يُنل أحدٌ بسوءٍ لما نيلَ الله ومن بعده العظماء.
وإذا مَنّ اللهُ على الإنسان بالهائين وهما: الهِمّة والهَدَف فلن يتأثر بهذه الحملات الفيسبوكية وهذه الأراجيف التي يبثها المرجفون، وهذا متوقع منهم فقد تأذت مصالحهم بتطبيق لائحة الأخلاق والانضباط ،وأنا قبل أن أتشرّف بقَبول ترشيح مجلس الاتحاد الموقر لي للقيام بهذه المهمة ثم تأكيده من خلال انتخابي من قِبل الجمعية العمومية، أعلمُ علم اليقين أني سوف أخالط أناساً متعددي الأمزجة والثقافات وهناك تباعد قد يكون بمستوى الوعي والبُعد التربوي المتفاوت بينهم إلى آخره؛ لذا لم أُفاجأ بشيءٍ مما حصل وسيحصل ؛ لأني أؤمن أن من يعمل بهذا بالشأن الرياضي عامة والكروي خاصة ويبتغي المصلحة العامة من خلال تقصي الحقائق وتطبيق القانون على الجميع، عليه أن يتصدّق ويتبرع بشيءٍ من سمعتهِ في سبيل ذلك، وطالما وجدت أني قادر على ذلك فلن أتراجع عن مبدئي خصوصاً أن رئيس الاتحاد صلاح رمضان ، ونائبه النائب عبد الرحمن الخطيب لا يدخران جهداً في عملية إنجاح مهام اللجنة، وعندما آنسُ في نفسي العَجْزَ فمن المؤكد ألا أكونَ ظهيراً للمفسدين والفاسدين ، ولن أشهدَ على جَورٍ وزورٍ ، حينها سوف أقوم بتقديم استقالتي مشفوعة بالأسباب الموجبة لها.
-ما هو استشرافك لمستقبل الكرة السورية؟
بالتعاون الصادق بين مفاصل اللعبة وخصوصاً الاتحاد أجده يصل الليل بالنهار لنفض غبار تراكمات ما ورثه من السابقين مع تسجيل الشكر لكل من عمل واجتهد سواء أصاب أو أخطأ، ولعل الرجاء بعودة الانضباط لملاعبنا الكروية من خلال ثباتنا على تطبيق القانون على الجميع يُصيبها بللٌ فتزدهي وتزدانُ بجماهيرها الراقية والشغوفة لكل مايُبهج القلب في ساحة الأخلاق الحميدة ونبذ الأخلاق الغريبة عن ثقافة مجتمعنا الأصيل.