متى ستكتمل ملامح العالم الجديد ومؤشراته؟
تقرير إخباري:
لزمنٍ طويل كان العالم مقسوماً بين مؤمن بالحلف الأمريكي الغربي كمحرّر وناشر لليبرالية واقتصادات الأسواق الرأسمالية أو حامٍ لأنظمة معيّنة، وبين من يجد في روسيا ودول الشرق والاشتراكية منقذاً من أخطار وتهديدات الحلف الأول الذي تنحصر مهمّته في امتصاص خيرات الشعوب واستعبادها.
والآن وبعد مضيّ ثمانية أشهر على العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا، بدأت طموحات هذا الحلف الجديد تلامس بنية النظام الدولي، وبعد طول خذلانٍ من الأمم المتحدة ودورها في التآمر على القانون الدولي بدلاً من إرساء قواعده، تؤسّس هذه الدول بديلاً مؤسساتياً عنها، فقد استضافت كازاخستان بعد مضيّ شهر من قمة شنغهاي الناجحة، قمّة “سيكا” التي ستعمل على التحوّل إلى منظمة دولية كاملة المعالم، إلى جانب رابطة الدول المستقلة الحليفة لروسيا التي بدأت تحجز حيّزاً من الحضور الدولي الراهن، وأصبح ملحوظاً وجود كيانات شرقية وآسيوية تحطّم قطب العالم السابق.
كذلك فإن قرار “أوبك +” الأخير هو مؤشر قوي أيضاً على بزوغ فجر هذا النظام العالمي الجديد، ومن أحدث مظاهره الخلاف إن لم نقل القطيعة بين السعودية وأمريكا عندما رفضت السعودية رفع إنتاجها من النفط لخفض أسعاره، حتى لو لمدة شهر واحد رغم طلب الأمريكيين ذلك لضمان نجاح انتخاباتهم الرئاسية، وبذلك تكون السياسة السعودية صبّت في مصلحة الجانب الروسي ومحوره ضد المحور الغربي المتعطش للنفط بأسعار بخسة يفرضها وفقاً لمصالحه.
إن تمرّد “أوبك +” على الإرادة الأمريكية، رغم تهديد الأخيرة، يشكّل بداية تحوّل للدول الآسيوية والعربية التي تعرف تمام المعرفة أن الاستعمار الغربي والأمريكي لم يوفّر لشعوبها أية حقوق.
وهذه التكتلات الجديدة تعتمد على الاقتصاد قبل القوة العسكرية، فمن يملك رأس المال يملك الحل السياسي، وبالتالي هي الآن تشكل قوة لا يُستهان بها وتعتمد على ثرواتها الهائلة وقدراتها الخلاقة على الإنتاج والتكامل والاكتفاء الذاتي، إضافة إلى تحقيق نواتج محلية وسرعة ورشاقة في النمو، فأضخم معدلات النمو الاقتصادي تتحوّل سريعاً نحو آسيا في ميانمار والصين والهند وغيرها من الدول.
بالمقابل لا ينقص هذا الحلف الجديد سوى مواجهة التحديات الصعبة التي تعترض طريقه والمؤامرات من القطب القديم، كما ينبغي التخلص من الفوضى الخلّاقة والحروب والتقسيمات التي افتعلها الغرب في دولهم لخلق حالة من الإلهاء والدمار والتأخير لهذا النظام العالمي الجديد.
لقد كان للمتضررين من السياسة الأمريكية الكثير من المحاولات لتشكيل أحلاف لكسر الهيمنة الأمريكية، أما الآن فالوضع مختلف لأن هذه التحالفات الاقتصادية باتت تتضمّن في صفوفها دولاً كانت ولأشهر مضت تعدّ نفسها حليفةً للغرب وأمريكا مثل تركيا “عضو الناتو” وبعض دول الخليج العربي، وجميعها الآن تنادي بكسر السيطرة والتسلط الأمريكي على بلادها وإسقاط هيمنة الدولار الأمريكي على التعاملات الدولية، واستبداله بالعملات المحلية لتعزيز قدراتها الاقتصادية.
كذلك تسبّبت التصرّفات الرعناء من نظام الرئيس الأمريكي جو بايدن عبر تجميد ومصادرة الأموال الروسية في البنوك الأمريكية والغربية، في تأجيج مخاوف الدول الحليفة لأمريكا بأن أموالها في تلك البنوك ليست ملكاً حراً لها، ومعرّضة للزوال بجرة قلم.
وتلك الدول التي كانت تعتقد أن الغطاء الأمريكي سيوفر لها الأمن والأمان شاهدت بأمّ عينها مؤخراً كيف ضحّت أمريكا بأوكرانيا والدول الأوروبية على مذبح استمرار هيمنتها على العالم.
إن هذا العالم الجديد أصبح قيد الاكتمال بانتظار خطوات بسيطة لتجسيده، أهمها نجاح روسيا في إتمام عمليتها الخاصة في أوكرانيا، ولا شك أنها ستنجح بذلك بعد التدرّج مع النظام الأوكراني بكل الخطوات العقلانية حتى تحقيق أهدافها المشروعة والوصول إلى حل شامل يضمن سلامة ووحدة أراضيها، ونجاح الصين بفرض سيطرتها على كامل مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي وتجسيد مبدأ “صين واحدة”، وهذا أيضاً بات قاب قوسين أو أدنى، ولن توفّر الصين طريقةً في تحقيقه.
بشار محي الدين المحمد