مجلة البعث الأسبوعية

مدرسة الإعداد الحزبي المركزية.. ملامح رؤية ومنهاج عمل لإنتاج كوادر قيادية كفوءة  

“البعث الأسبوعية” – حياة عيسى

قرابة عام من الجهود والبرامج التنفيذية كانت كفيلة بتشكيل ملامح لرؤية ومنهاج عمل تستطيع مدرسة الإعداد الحزبي المركزية من خلاله الانطلاق بنهج جديد قوامه المرونة لمؤسسة فكرية تمثل منذ نشأتها، قبل عقود، حاضنة لإنتاج كوادر وكفاءات ترفع من البنى التحتية والفوقية لحزب البعث العربي الاشتراكي.

وإذا كان الحامل الأقوى في مسير المدرسة هو التوجيهات التي حملتها زيارة الرفيق الأمين العام للحزب، السيد الرئيس بشار الأسد، لمقر المدرسة، بتاريخ 16 تموز 2019، فإن ثمة قاعدة متينة قدمها الرفيق الأسد، وتتمثل في الإطار الحواري مع القيادات الشبابية السورية المعدة في أروقة المدرسة، والتأكيد على أهمية الحوار كثقافة، عندما قال: “نحن لا نتقن فن الحوار للأسف” في مجتمعاتنا، بل نحتاج إلى زيادة الحوار أكثر، كما أكد في اجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 7 /10 /2018 على تطوير أدوات ووسائل الإعداد الحزبي، أي رؤية جديدة يجب إقرارها تتعلق بالإعداد الحزبي والانتقال من النمط الكلاسيكي التعبوي إلى نمط يعتمد على التحليل والتركيب، مطالباً القيادات الشابة بأن تنقل الحوارات إلى المحافظات ثم تعود إلى المدرسة المركزية..”، ليكون الهدف الأكبر، بالتعاون مع الرفيق رئيس مكتب الإعداد وبإشراف الرفيق الأمين العام المساعد، تجسيد توجيهات الأمين العام ووضع الرؤية المستقبلية لطريقة الإعداد، بأدوات تقوم على دعم المدرسة وفقاً لحاجاتها، بالتزامن مع وضع تلك الرؤية كمنهاج مرن قابل للتعديل وفقاً لمتطلبات التدريب والتأهيل.

في لقاء مع “البعث الأسبوعية”، أوضح مدير المدرسة، الدكتور بسام أبو عبد الله، أن الارتباط بين المدربين والخريجين والمدرسة لم يكن موجوداً سابقاً، إذ كان الأمر يعتمد على تخريج الدورات فقط، دون أية علاقة لاحقة مع المدرسة، لذلك لم تملك المدرسة القدرة على تقييم كوادرها، في حين انه يوجد حالياً (قاعدة بيانات) لكل من تدرب فيها باعتبارها مصنعاً لكوادر حزب البعث العربي الاشتراكي، فكان الانطلاقة من الدورة 13 في أب 2018 لفحص نقاط القوى والضعف لدى الرفاق البعثيين، وعند إجراء الامتحانات لوحظ وجود فجوة معرفية هائلة، فكان الملاحظ غياب المعرفة السياسية، الاقتصادية، وحتى الإيديولوجية والفهم الحقيقي، والكلام لأبو عبد لله.. الذي رأى أن زيارة السيد الرئيس شكلت رسالة هامة تؤكد على دور المدرسة لإعداد شخصية حزبية جذابة وقائدة مجتمعياً ومندمجة مع قضايا شعبها ولا تعيش في الأبراج العاجية.

نقاط القوة والضعف

من خلال الحديث مع الرفيق مدير المدرسة، كان واضحاً الاشتغال على الانطلاق من تحديد نقاط القوة والضعف وإنشاء منهاج على أساس التحليل الأولي للدورة 13، فتم وضع اليد على ضعف شديد في ملف العلاقات الدولية، لاسيما غياب الإلمام الكافي بالمحيط الإقليمي، مع غياب المعلومات الضرورية عن روسيا أو الصين، إضافة إلى اضمحلال المعلومات عن الكيان الإسرائيلي.. من هنا كان التصميم على إعطاء كل تلك الملفات (السياسة الخارجية الاميريكية، روسيا، الصين) ما تستحقة من اهتمام واعتبارها ملفاً دولياً، كما لوحظ ضعف في الثقافة الدستورية لدى الكثير من الرفاق وتاريخ الدساتير، فتم العمل على وضع محاور إستراتيجية مهمة لإستراتيجيه الحزب والدولة السورية تتصمن الإدارة المحلية واللامركزية الإدارية، وقانون الأحزاب، إضافة إلى المواد الاقتصادية، سواء المحلية أو الدولية، ومواد فكرية وفلسفية، ومواد لفهم مفهوم العروبة، وحزب البعث وتاريخه، إضافة إلى مادة التفكير النقدي وضروراته، كما تم إضافة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأهميتها، وفن التواصل وبناء الشخصية، كون الشخصية الحزبية لم يكن لديها القدرة على التواصل، وكان بناء الشخصية جامداً، فكان لابد من تحريك تلك الشخصية وتحريرها من خلال التدريب المتواصل، وكان لذلك أثره الطيب لدى الدارسين. وقد أنجز المنهاج آنف الذكر وساهم في إنجازه أكثر من 36 من خيرة الأكاديميين والمدربين، وكان انتقاء المدرسين على أساس الكفاءة العلمية وليس الانتماء الحزبي، وذلك بهدف بناء شخصية حزبية قادرة على مناقشة الخصم قبل الصديق، من خلال رفع سقف حرية التفكير والحرية في طرح الأسئلة ضمن أروقة المدرسة على أساس علمي وليس إيديولوجياً معلباً ومغلقاً، وانعكست هذه الرؤية على أداء الخريجين الذين باتوا يساهمون في تدريب رفاقهم الأنصار والعاملين ويشكلون أداة مساعدة في رفع مستوى العمل والأداء داخل الحزب، وكان لقرار القيادة المركزية للحزب، بتحديد أعمار المتدربين ما بين 22 – 45 عاماً، دور مهم في تأهيل ثلاثة أجيال من العشرينات والثلاثينات والأربعينات، ما ساهم في توافر كوادر شابة مرنة، مدربة على ردم الفجوة التي كانت في أعمار الكوادر.

 معايير نجاح و5 مراحل

وأوضح أبو عبد الله أن طرق الترشيح لدورة الإعداد الحزبي المركزية أصبحت صعبة لضمان وصول الأكثر تأهلاً، حيث تم وضع شروط للترشيح للدورة المركزية من أهمها نجاح المرشح في الدورة الفرعية، إضافة إلى وجود لجنة خماسية، برئاسة أمين فرع الحزب في كل محافظة، يقابل المرشحين لانتقاء حصة كل فرع للذهاب للدورة المركزية، كون نتائج كل فرع ستنعكس على قيادة الفرع سواء بالإيجاب أو السلب، وستنعكس أيضاً على المدرسة الفرعية. ومع وضع تلك المعايير، أصبحت الأمور تتطور بشكل تدريجي، وذلك لتحقيق رؤية المدرسة بتكوين شخصية بعثية مؤمنة ولكن مرنة في نفس الوقت. أما معايير النجاح فتمر عبر امتحان تحريري بـ 100 علامة، ومقسم إلى امتحانين: أولهما مفاجئ يبدأ مع بداية الدورة، ويليه امتحان تحريري آخر في نهاية الدورة، ومن ثم امتحان شفهي يخضع له الدارس أمام لجنة ثلاثية لمناقشة المتدربين لمدة نصف ساعة حول المواد التي تم دراستها، ومن ثم حلقة بحث معدة من قبل المتدرب، ومن ثم السلوك طيلة مدة الدورة، والذي يشمل (الانضباط، الاندماج الاجتماعي، المشاركة في المحاضرات والفعاليات خلال الدورة)، الأمر الذي أثر على زيادة التنافسية بين مختلف فروع الحزب، وهناك تفوق من محافظات كريف دمشق، إدلب، تل أبيض، فهناك كوادر جيدة ونوعية أفضل، ما منح مدرسة الإعداد الحزبي “سمعة”، وهي النقطة الأهم، وكانت ثمرة عمل متواصل.

التكامل المؤسساتي

ويرى أبو عبد لله أن هناك مشكلة تتمثل بأن المدارس الفرعية تعمل لوحدها بمنهاج لا تشرف عليه المدرسة المركزية، فكانت هناك ضرورة للتواصل والتكامل كونها مؤسسة تدريبية واحدة على مستوى الحزب. ومن هنا، تم إنشاء ورشتي عمل صممت كل منها على عدد ساعات 60 ساعة تدريبية، وتم إجراء ورشتي عمل وليس اجتماعاً تقليدياً للحوار والنقاش لتكون الرؤى مشتركة. وقد جرى نقاش في الكثير من الأشياء، وصمم برنامج المدرسة الفرعية وأقر وتم إدخال ضمن البرنامج ثمان ساعات فنون تواصل، كشرط لازم ولكنه غير كاف لاستكمال ببناء الشخصية الحزبية القيادية، وأصبحت المدرسة المركزية – بتوجيه من القيادة – مشرفة علمياً على المدارس الفرعية والمنهاج، علماً أن المنهاج قابل للتغير والتطوير في كل عام، وهو هدف الحزب للمرحلة القادمة، وأصبح هناك الآن نوع من التكامل بين الفرعية والمركزية.. حقيقة، لدينا هناك مشكلة في الإعداد من أسفل الهرم إلى أعلاه من نصير إلى الأعلى، نتيجة الأعداد الضخمة في الحزب، وأتحدث عن مليون و300 ألف بين نصير وقائد.

 

العلاقة بين الكم والكيف

ومع أن الحزب بحاجة إلى الكم إلا أنه يحتاج  – كما يقول مدير المدرسة – إلى الكيف، بمعنى “النوع” الذي يقود، والذي يجب أن يكون كالجسم الصلب، ولأن هناك إشكالية في إعداد الأنصار تم زج كافة الرفاق الأوائل من خريجي المدرسة المركزية لتدريب وإعداد الأنصار كونهم يملكون خلفية علمية جيدة، وذلك لزيادة كفاءتهم أيضاً، وهو ما يحتاج إلى إعداد علمي ومعرفي ووسائل إيصال.. وأكبر مثال على ذلك السيد الأمين العام للحزب في مقابلاته الصحفية كنموذج وكيفية أسلوبه في الرد على أصعب الأسئلة من قبل الصحافة الخارجية، وكذلك خطبه التي تميل للنقد أكثر من المدح وهو منهاج تفكيري يجب الالتزام به.

ولهذا السبب، تم تدريب 70 كادراً على فنون التواصل، وتم زجهم في التدريب، وقد اعتمدت تلك الكوادر كمدربين لدى مدرسة الإعداد الحزبي المركزية، وتم منحهم هوية مدرب معتمد لمدة عام، وخلال الأسبوع الأول من تشرين الأول تم إخضاعهم للمستوى الثاني من التدريب لزيادة كفاءاتهم باستمرار، وتشكيل فريق تدريبي على مستوى الحزب بأعلى المعايير المهنية، ومن يتجاوز الامتحان سيستمر ومن يفشل في الامتحان لن يمنح هوية المدرب، كون التدريب مسؤولية كبيرة تحتاج إلى زيادة كفاءة باستمرار.. وهنا ربط مدير المدرسة نجاح المدرسة بإعداد مدربين خاصين بالحزب بشرط التركيز على المعايير الحزبية، وما هي الأمور التي يجب تدريبها للكوادر الحزبية، وأهم ما تم القيام به أنه أصبح لدى المدرسة “داتا” لكل متدرب، وهناك خطة لوضع الكوار على خارطة الجمهورية العربية السورية وكيفية الاستفادة منهم، إضافة إلى التواصل الدائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 المخرجات إلى أين؟

وفي مصير المخرجات لم يخف مدير المدرسة حقيقة وجود حلقة مفقودة في هذه النقطة، محاولاً الإجابة على أصعب الأسئلة المتمثلة بـ : هل ستكون الكوادر قيادات مستقبلية باعتبار أن هناك استئناسا حزبيا، مع الأخذ بالاعتبار أنه قد انخرط بعض الرفاق الخريجين في آخر تجربة بالإدارة ونجح 13 منهم ودخلوا مجالس المحافظة.

ويؤكد الدكتور أبو عبد الله على وجوب أن يكون التوجه المستقبلي نحو كفاءة البعثي أولاً، ثم بعثيته وانتمائه الحزبي، لاسيما أننا أمام مرحلة من العمل الحكومي لدينا فيها معايير التنمية الإدارية والكثير من قضايا الإصلاح الإداري، فالانتماء الحزبي ليس الأساس ففي هذه المرحلة بل الكفاءة أولاً، لذلك فإن دور المدرسة كمؤسسة تدريبية هو تهيئة وتدريب كادر حزبي قادر على القيادة والمنافسة أمام غيرها، فنحن انطلاقاً من الكفاءة نستطيع التميز بالسلوكية الحزبية للقضاء على الصورة النمطية للشخصية البعثية، علماً أن الحزب يمتلك جيلا من الشباب المثقف ضمن صفوفه. وهناك تركيز على نوعين من السلوكية: أحدهما السلوك الشخصي (التواصل مع المجتمع، القيم الأخلاقية، المواصفات الشخصية والنضالية) وهناك السلوك النضالي، ويجب أن تكون السلوكية الحزبية معيارا لتقدم البعثي أو عدم تقدمه.

 العقبات

ويختتم الدكتور أبو عبد لله بالقول أن هناك مشكلة في الموازنات مع تزايد التضخم في البلاد، لذلك لا بد من التفكير بخلق موارد ذاتية لتعزيز دور المؤسسة والتخطيط لخلق موارد إضافية كي تستمر المدرسة بأداء دورها على صعيد الحزب والمجتمع، بالتزامن مع عقبات ترتبط بالعقليات التي تعتقد أن تدريب الكوادر الشابة يتم من أجل الحلول محل القائمين حالياً، وهو تفكير يتم العمل على تذليله من خلال الحوارات الداخلية مع القيادات الحزبية على مختلف المستويات.

ويشار إلى أن المدرسة قد أحدثت دورات للمتميزين، حيث يتم أخذ العشرة الأوائل من الدورات المركزية، ويتم إخضاعهم لدورة بمواضيع أعمق، لتفعيل كوادر الفروع والشعب الحزبية والاستفادة من تلك الخبرات الحزبية المدربة، وهناك دورة لأمناء الشعب الحزبية ولأعضاء مجلس الشعب، وهي لأول مرة تقام، والدورات تخصصية وفقاً لحاجة كل منتم للحزب حسب مجال عمله ومكانه.