أزمة ثقة..!
غسان فطوم
منذ أيام أقامت إحدى الجمعيات ندوة تعريفية عن ثقافة الشكوى، وكان اللافت حضور ثلاثة وزراء تحدث كلّ منهم بطريقته عن أهمية نشر وتعزيز ثقافة الشكوى لدى المواطن، وكان القاسم المشترك بينهم أن الشكوى ضرورية للمساهمة في حلّ المشكلات ومحاسبة كلّ مخالف للقوانين والأنظمة.
بعيداً عن أجواء الندوة، ووفق معطيات الواقع، ثمّة سؤال يطرح نفسه هنا: لماذا لا يشتكي المواطن الذي يعاني من نقص في الخدمات، أو لماذا يتردّد بالشكوى كثيراً؟.
بصراحة.. جسور الثقة بين المواطن والجهات العامة باتت معدومة، فالتجربة علّمته أن لا جدوى من أية شكوى في ظل غياب الحلول!، والمؤسف أن “البل وصل لذقن الصحافة”، فمقولة “حكي جرايد” لم تأتِ عن عبث بعدما تحوّل الإعلام إلى مجرد ناقل للخبر، والذي غالباً ما يكون تغطية لنشاط هذا المسؤول أو ذاك، وفي حال الإشارة للخطأ لا أحد يكترث ولو بردّ من قبيل رفع العتب، علماً أن هناك قراراً أو تعميماً صادراً عن رئاسة مجلس الوزراء يلزم الجهات المعنية بالردّ على ما ينشره الإعلام في مدة أقصاها 48 ساعة، لكن لا حياة لمن تنادي!.
للأسف هذه اللامبالاة عزّزت القناعة لدى المواطن بعدم جدوى الشكوى، سواء بشكل مباشر للجهة المعنية أو عن طريق الإعلام، وما انهيار ثقة الجمهور بإعلامه إلا نتيجة لذلك، والدليل توجّه الناس لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من متابعة الإعلام الوطني المدجّج بالأخبار الرسمية، فهو بنظرهم منحاز ولا ينقل الأخبار بحيادية، والخوف أن يتعزّز هذا الموقف السلبي ويصبح ثابتاً يصعب تغييره.
إذاً نحن أمام أزمة ثقة بين المواطن والمسؤول، لا يمكن ترميمها بعقد ورشة أو ندوة يستعرض فيها المعنيون فصاحتهم الخطابية بكلمات منمّقة حول حقوق المواطن، وأهمية الشكوى، بمعالجة الجوانب السلبية وتلافي الأخطاء، القضية أكبر من ذلك بكثير، فهي تتعلق بخسارة قدرة الإعلام على الإقناع بجدوى دوره، وخاصة في ظلّ الحديث اليوم عن صحافة الحلول، وإعلام الدولة والمواطن، أي أن يكون الإعلام شريكاً فاعلاً في الحلّ وليس مجرد ناقل صامت.
ويبقى السؤال: هل من أمل في تجاوز هذه الإشكالية؟.. نأمل ذلك.
gassanazf@gmail.com