“متواضع وفقير”.. الظّروف الاقتصادية تلقي بظلالها على معرض الكتاب وزوّاره
نجوى صليبه
ككلّ عام، ينتظر سوريون كثُر معرض الكتاب الدّوري الذي تقيمه وزارة الثّقافة في مكتبة الأسد، ويعدّونه بمنزلة حدث سنوي مهمّ لأفراد العائلة جميعها، بل وينشغل بأخباره آخرون على الرّغم من أنّ القراءة ليست في قائمة أولوياتهم، بينما تراجعت مرتبتها في قائمة آخرين بسبب ظروف الحرب وتبعاتها الاقتصادية التي لم تسلم منها صناعة الكتاب وسوقه، والعاملون في هذا المجال حالهم حال القرّاء من مثقفين وأدباء ومهتمين.
في هذا العام، وبمشاركة خمسين دار نشر، وتحت عنوان: “نقرأ لنرتقي”، انطلق معرض الكتاب “السّوري”، نافيا بذلك عنه صفة العربية وقاطعا الطريق أمام منافسة دور نشر عربية من حيث الفخامة والجودة والسّعر، وفاتحا المجال كاملاً أمام كتاب سوري يطمح الجميع إلى أن يكون الأفضل دائماً، داخل سورية وخارجها، وأمام دور نشر بعضها يعدّ نفسه مظلوماً وبعضها الآخر همّه الأوّل والأخير هو المشاركة في معارض خارجية يبيع فيها الكتاب بأضعاف أضعاف ما يبيعه في أرضه.
يقول قيس عقل مدير مبيعات في دار عقل: دور النّشر مظلومة، يجب أن يكون هناك تسهيلات من حيث الرّقابة على الكتاب وسعر الحبر والورق، ويجب على وزارة الثّقافة دعمنا في هذا المجال، فأساس أي معرض هو دور النّشر، لذلك يجب مساعدتنا لنصل محلياً وعربياً وعالمياً، فمن دون دعم دور النّشر وتقديم التّسهيلات لها ستتعب وتتراجع، مؤكّداً: على وزارتي الثّقافة والإعلام وجميع المعنيين تقديم التّسهيلات لكي ننطلق أكثر.
وبالسّؤال عن أسعار الكتب في جناح الدّار، يجيب عقل: نحن مؤسّسة ثقافية ربحية ومن دون ربح المؤسّسة تتوقف عن العمل، لكن بشكلٍ عام أسعارنا مدروسة جيّداً بحيث لا تكون صعبة على القارئ السّوري، وهناك كتب نبيعها بسعر التّكلفة، وهناك كتب عليها حسومات تتناسب والسّوق السّورية.
وفي المقابل، تتحدّث مانيا سويد (دار سويد) حول مشاركتها في المعرض والتّجهيز له وهي خارج سورية، تقول: مقر الدّار الأساسي في دمشق، ولدينا فرع في الإمارات حيث أقيم، ومن هناك تواصلت مع الإدارة وسجّلت وأنهيت كلّ الإجراءات والرسوم البنكية، حيث كانت الإدارة ترسل لنا كلّ يوم أكثر من رسالة توضّح لنا الخطوات التّالية وتذكّرنا بما يجب فعله بالساعة واليوم، ونحن كدار نشارك في العديد من المعارض العربية والدّولية، لكنّي أتيت تحديداً للمشاركة في معرض الكتاب السّوري لما فيه من حميمية، ولرؤية الأصدقاء والأهل والسّوريين بشكل عام، وكيف يتعاطون مع الكتاب في ظلّ هذه الأزمات، مضيفةً: نحاول قدر الإمكان مساعدة القارئ للحصول على الكتاب الّذي يريد ونقدّم تخفيضات بشكل مبالغ فيه أحياناً، مبينةً: لدينا توجّه نحو الكتاب الإلكتروني والصّوتي ونشجّع الورقي الذي لا يندثر أبداً، واليوم ألاحظ عودة الشّباب إليه.
وفي جناح واحد، اجتمعت ثلاث دور نشر هي “عقل” و”رسلان” و”علاء الدّين”، تبيّن سمر جيجك أحد المسؤولين عن الجناح حول هذه الشّراكة المكانية وحول الأسعار والإقبال: دور النّشر الثلاث تعمل أحياناً باستراتيجية واحدة، لذلك تجتمع اليوم في جناح واحد.. الإقبال جيّد على الرّغم من أنّه ليس بالمستوى المطلوب، العام الماضي كان أفضل بكثير، أمّا بالنّسبة للمبيعات فهي نوعاً ما جيّدة أيضاً.
الشّاعرة طهران صارم، ومن خلال متابعتها الدّائمة للمعرض وتجوالها هذا العام في أجنحته، تقول: المعرض تقليد جيّد ونتمنى استمراره، لكن هذا العام لاحظت قلّة دور النّشر وغياب أسماء معروفة منها، وغلبة منشورات الطّفل، إضافةً إلى ارتفاع سعر الكتاب قياساً بدخل المواطن، ولاسيّما المثقّفين الذين يهتمّون بالقراءة، وأستثني هنا منشورات وزارة الثّقافة واتّحاد الكتّاب ومجمع اللغة العربية.
وبسؤالها عمّا إذا بحثت عن عنوان محدّد ولم تجده، تبيّن صارم: لم أبحث عن كتاب بحدّ ذاته، لكن هناك أسماء مؤلّفين ولاسيّما مؤّلفي الرّوايات الأجنبية التي غالباً ما أرغب باقتنائها، لكن – للأمانة – أدقّق في أسماء المترجمين لهذه الكتب لأنّي ومن خلال تجربتي وجدت الكثير من التّرجمات السّيئة، فهناك دور نشر تتعامل مع أشخاص غير ضليعين باللغة، وغالباً ما يعتمدون على ترجمة “غوغل” ممّا يفقد العمل الكثير من أهميته.
لانا مريود زائرة من زوّار المعرض أيضاً، كانت تسأل عن أحد العناوين، لكن على ما يبدو لحين حديثنا معها لم تكن قد وجدت ضالّتها بعد، تقول: المعرض هذا العام متواضع جدّاً، لا يوجد دور نشر كثيرة والأسعار مرتفعة، هناك عناوين كثيرة لكن ليس كما تعوّدنا عليه في السّابق.
وعلى الرّغم من كلّ الصّعوبات والظّروف الاقتصادية التي تلقي بظلالها على كلّ مجالات الحياة، بما فيها الكتاب وصناعته، لا بدّ من النّظر إلى النّصف والجانب الآخر من القضية. يقول هيثم حافظ رئيس اتّحاد النّاشرين السّوريين: كاتّحاد ناشرين نرى أنّ المعرض ضرورةٌ ملحّةٌ يجب ألّا نستغني عنه، وربّما كمهنيين نقول إنّ أهميته تزيد على أهمية المعرض الدّولي، لأنّه يساهم في تطوير صناعة النّشر في سورية، وإذا أردنا صناعة رائدة يجب أن ندعم إقامة معرض الكتاب السّوري، بدعم بعضنا البعض، ندعم الجميع من كتّاب ورسّامين ومصمّمين وقرّاء وغيرهم، ولو أنّنا منذ سنوات فعلنا ذلك لكان لدينا كتاب سوري يواجه الآفاق، ووجود دور النّشر العربية يعني منافسة السّورية ويعني منافسة لبنانية بالجودة ومصرية بالسّعر وخليجية بالفخامة،.. دعونا ننافس بعضنا لنؤسّس لكتاب سوري راقٍ ومميّز، مضيفاً: هذه خطوة مهمّة في صناعة النّشر، وكلّ الدّول تقيم معارض داخلية.. هذا المعرض بالنّسبة للنّاشرين السّوريين أهم من العربي، فنحن في الخارج نلتقي بالدّور العربية وننافسها.
وبالسّؤال عن الأسعار المرتفعة، يجيب حافظ: المبيع هنا أرخص من التّكلفة، وأصحاب دور النّشر راضون في سبيل تأسيس علاقة وتلاقٍ بينهم وبين القرّاء وإعادة هذه المهنة إلى الواجهة، لكنّ البعض لم يستوعب الارتفاع الحاصل في عالم الكتاب بعد انقطاع بسبب “كورونا”، ما أحدث فجوةً كبيرةً، فالكتاب الذي نبيعه هنا بعشرين ألف ليرة يباع في الخارج بثمانين ألفاً، ولا بدّ من التّنويه بأنّ كتباً في جناح وزارة الثّقافة تباع بـ 600 ليرة بينما تحتوي ورقاً بسعر ألفي ليرة، كذلك الأمر بالنّسبة لاتّحاد الكتّاب.
وخلال تجواله بأرجاء المعرض في يومه السّابع، وبسؤاله عن ضعف الإقبال هذا العام عن سابقه، يجيب الدّكتور نايف ياسين المدير العام للهيئة العامّة السّورية للكتاب: أعتقد أنّ هناك أسباباً تمنع الكثيرين من الحضور، لكن يكفي رؤية أسر سورية على الرّغم من كلّ الصّعوبات تأتي لتقتني الكتب لجميع أفرادها، كلّنا نتفهّم ضعف القدرة الشّرائية وصعوبة النّقل في المحافظة الواحدة فكيف بين المحافظات. وفي المقابل، يجب أن نضع بالحسبان أنّ هناك زوّاراً يحضرون النّشاطات المرافقة للمعرض من أفلام وندوات وتوقيع كتب، مؤكّداً: على الرّغم من كلّ شيء إقامة المعرض فرصة للجميع، كتّاباً وقرّاء وناشرين، لأنّهم يغطّون فجوة ويعرضون ما لديهم للقارئ السّوري، وما سيعرض في دور النّشر العربية سيكون بأسعار مرتفعة جداً، أعتقد أنّ المعرض فرصة ودليل صحّة ومؤشّر جيّد ونأمل بتحسّن الوضع.
ويوضح ياسين: بالنّسبة لجناح الهيئة، لابدّ من التّذكير بأنّنا جهة غير ربحية، ولا نسعى وراء الكتاب الرّائج بل الذي يحمل قيمة أدبية وفكرية رفيعة، والجرعة الفكرية في كتاب الهيئة أفضل من كثير موجود في دور النّشر، ولا ننتقص من غيرنا أبداً، وسعره بسعر التّكلفة ويباع دائماً بحسم 50% وهذا عامل جذب ومهمّ للقارئ.