سوروس ونظام كييف.. تحالف شيطاني
سمر سامي السمارة
يقوم نظام كييف، يدعمه حلف شمال الأطلسي، بسن قوانين صارمة جديدة تهدف للقضاء على حرية التعبير، واعتبار أي رأي لا يتماهى مع النظام بمثابة خيانة عظمى تُعرض متبنيه للاضطهاد والقمع العنيف.
تكرس السلطات الجديدة حملة شرسة ضد وسائل الإعلام المستقلة في أوكرانيا، مع العلم أنها كانت مستعرة خلال الأعوام الأربع الماضية منذ تولي زيلينسكي سدة الحكم، حيث أُغلقت الأحزاب السياسية المعارضة والمنافذ الإعلامية، وتعرض الصحفيون المعارضون للعنف أو أجبروا للهرب من البلاد.
يمكن أن تُعزى هذه النزعة السمّية ضد حرية التعبير، إلى انقلاب الميدان الذي رعته وكالة الاستخبارات المركزية والذي أطاح بالحكومة المنتخبة في أوكرانيا في شباط 2014 وجلب إلى السلطة نظاماً يمينياً متطرفاً.
وفي الوقت الذي تدعي فيه الحكومات الغربية أنها ضامن لـ “الديمقراطية” و”الحرية”، تضخ مليارات الدولارات على المساعدات العسكرية التي ترسلها للنظام الفاشي في كييف، كما تحاول الحكومات ووسائل الإعلام الغربية مواءمة هذا التناقض من خلال التأكيد على أن نظام زيلينسكي منتخب “ديمقراطياً” من خلال التستر على حقائق سلوكه النازي.
إن تسليح الولايات المتحدة وأعضاء الناتو الآخرين لأوكرانيا منذ عام 2014 يدفع بتهور لشن حرب عالمية مع روسيا، إذ تتماشى الديمقراطيات الغربية المزعومة مع الفاشية في حرب أولية ضد روسيا يمكن أن تنتهي بكارثة نووية، فبالنسبة لأولئك الذين يولون اهتماماً تاريخياً للأسباب الحقيقية والجغرافيا السياسية للحرب العالمية الثانية – التخادم بين القوى الغربية وألمانيا النازية – والحرب الباردة اللاحقة، قد لا تكون المواجهة الحالية مفاجئة.
من الجدير بالملاحظة أن العلاقات بين إحدى الشخصيات العامة الغربية مع أوكرانيا تثير القلق بشكل خاص في تناقضها، فقد كان جورج سوروس، الملياردير الأمريكي، من أوائل المؤيدين للتغيير السياسي في أوكرانيا بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
ومن خلال مؤسسته “المجتمع المفتوح”، ضخَ سوروس ملايين الدولارات للترويج لاستيلاء “ثورة” ميدان على السلطة في كييف، كما عمل جنباً إلى جنب مع الإدارة الأمريكية، ووكالات تغيير النظام التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، مثل “الصندوق الوطني للديمقراطية”، و” الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، لإنشاء “مجموعات مجتمع مدني”، وسلسلة من المنظمات الإعلامية التي تروج للآراء المعادية لروسيا.
حتى يومنا هذا، تعلن مؤسسة “المجتمع المفتوح” “الوقوف إلى جانب أوكرانيا”، وتتهم روسيا بشن “هجوم على الديمقراطية”، وتهدف المؤسسة إلى جمع تبرعات تصل إلى 45 مليون دولار يقال إنها ستُستخدم “لحماية المجتمع المدني الأوكراني”.
من المؤكد، أن الحقيقة التي تكمن وراء خطاب جورج سوروس الذي يلَوح بالفضيلة، هي أن هناك نظاما تهيمن عليه القوى النازية العازمة على سحق أي معارضة وحرية تعبير، وهذا ما تظهره قوانين الإعلام القمعية الجديدة.
من المؤسف أن الأمر ليس بهذه البساطة، فقد لعب سوروس ووزارة الخارجية الأمريكية، جنباً إلى جنب مع نائب الرئيس آنذاك جو بايدن، دوراً أساسياً في جلب نظام كييف إلى السلطة، في عام 2014، وفي بناء قدراته باعتباره رأس الحربة المسعور المعادي لروسيا، والذي رفض اتفاقيات مينسك للسلام 2014 – 2015، وأثار الحرب الحالية مع روسيا.
يبدو أن سوروس، الذي عبر علناً على مدى سنوات عديدة، عن كراهيته الشخصية العميقة للرئيس الروسي بوتين، قد استخدم أوكرانيا بمهارة كملعب جيوسياسي لتعزيز مصالحه الشخصية والتجارية، فقد سلط الملياردير الرأسمالي اهتمامه على خصخصة الصناعات الأوكرانية في مجال الطاقة والزراعة.
بطبيعة الحال، تتوافق المصالح الإمبريالية لواشنطن وحلف الناتو بشكل كبير مع أعمال سوروس “الخيرية” المزعومة، فلطالما اتُهم سوروس بالترويج لـ “الثورات الملونة” نيابة عن واشنطن لزعزعة استقرار الخصوم الجيوسياسيين، ولا سيما روسيا والصين.
من هنا، بات جلياً أن سوروس شارك منذ البداية في الترويج لانقلاب كييف العنيف بشكل مباشر، الأمر الذي أدى إلى إنشاء نظام متطرف ورجعي يخدم بإخلاص المصالح الإمبريالية لواشنطن ضد روسيا في الوقت الذي تسبب في البؤس لغالبية الأوكرانيين.
ومن المؤكد أن ادعاءات سوروس بدعم “الصحافة المستقلة”، و “المجتمع المدني” ليست سوى أكاذيب مرتبة ضد الحملة الحالية في أوكرانيا ضد حرية التعبير، فالملياردير الذي يمول نظاماً نازياً في أوكرانيا ليس بعيداً عن الحسابات الساخرة، وهذا هو جوهر الرأسمالية.