زمن الكتاب.. زمن القارئ
أحمد علي هلال
بعيداً عن أطروحات “الموات” ونظريات النهايات المحتملة، وبصرف النظر عن سياقاتها المخاتلة، كيف لنا أن نستعيد زمن القارئ؟
ثمّة جدلية أثيرة ما بين الرغيف والكتاب، ومن منهما الأسبق في الوعي والبناء والتنمية، ذهبت تلك الأطروحات بدءاً من “موت المؤلف وليس انتهاءً بموت القارئ” إلى استبطان عصر جديد هو عصر القارئ، والقارئ في الحكاية هو هاجس الكتّاب والمبدعين، إذن كيف يعثر – هذا القارئ – على زمنه الخاص؟
ربما تعيدُ معارض الكتب هذا التوهج بعض الشيء للعلاقة المفقودة بين القارئ والكتاب خارج أزمنة الاستهلاك أيضاً والبدائل التي جعلت من القارئ ذاته مستهلكاً فحسب غير منتج بالضرورة، فالغاية هي إنتاجية القارئ لا التبشير فقط بميلاده، وعليه فإن إنتاجيته هي في تعضيد الأبعاد المعرفية والسلوكية بآن خدمة للعقل أولاً، ومن ثم ارتقاءً بأنماط التفكير التي تغيّرت في راهننا الإبداعي والثقافي، إنها ثقافة الكتاب التي عصفت بها الأنواء وعلى غير مستوى، فهل القارئ شخص بعينه أم الزمن؟ القارئ في المحصلة هو وعي جمعي والرهان عليه رهان على ثراء الكتابة ولذتها بالمعنى «البارتي»، نسبة إلى السيميولوجي الفرنسي رولاند بارت، ولا يمكن في هذا السياق أن يكون السؤال عن الجدوى من الكتابة جاداً ونهائياً، طالما أن هذه الجدوى هي في حيازة القارئ المنشود – على الرغم من ندرته – والذي يأتي إلى الكتاب محمولاً على شغف المعرفة، والمعرفة تلك الصناعة النبيلة التي تعني ذاكرة الشعوب والأمم، ذاكرة حضارة الروح في الأزمنة المختلفة، ولاسيما في زمننا المعاصر المشغول بحداثة الفكر وإعادة تأسيس المنظومات المعرفية للإنسان، وعلى الأرجح أن الثقافة لم تعد ترفاً إن لم تكن عبوراً إلى حيث يُستعاد الإنسان بعماراته الروحية، ذلك أن بُناة الروح في الأزمنة كلها هم من حملوا قناديلهم ليعبروا ويضيئوا قلب العالم المهدّد بالحروب والأوبئة وإعلانات أقلها تأبيد الموت.
نعودُ إلى الكتاب لأنه استحقاق مازال مفتوحاً على كبرى الأسئلة والتي لا تبدأ من الكتاب فحسب وتنتهي إليه، بل تبدأ من استدعاء القارئ بمستوياته كافة ليكون السطر الحيّ في مدونة الحياة.