في.. معرض الكتاب!
حسن حميد
أجل، فرح حقيقي اجتاحني، مثل فرح البراري وهي ترحّب بالمطر والطّيور والخضرة البارقة، فرح ماشاني وأنا أجول في أجنحة معرض الكتاب الذي أقيم في مكتبة الأسد الوطنية ما بين 12 و22 من الشهر الحالي!.
فرحتُ لأنّ الكتب، والثقافة، والتاريخ، والآداب والفنون، اجتمعت لتتحدّث عن معاني الشوق للثقافة الجديدة، ولأنّ أهل الثقافة، وطلّابها، وأهل الفنون وعشّاقها، زيّنوا ساعات المعرض بحضورهم، وأسئلتهم، وبهجتهم للاجتماع والحوار.
فرحتُ لأنّ من أعدّ لقيام هذا المعرض كان صاحب عين موشورية، رأت الأبعاد الثقافية ورعتها، وشخّصت الصعوبات فحيّدتها، وأضافت الجمال إلى الجمال، والرؤى إلى الرؤى، فغدا المعرض اجتماعاً للمعرفة المشتهاة؛ مثلما غدا انتصاراً وظفراً لكلّ ما تاقت إليه نفوس الأدباء والفنانين وعشّاق الثقافة من حضور للكتب وهي طبعاتها الحديثة.
فها هنا، وأنا أمشي في معرض الكتاب أرى الكتب وكأنها الطيور المحلّقات في أسرابها، وأيدي الحذق وهي تقلّب الصفحات، والعيون تجول وتقرأ، والعقول تدور طيّ انتباهاتها، والناس في جذل حقيقي، وحوارات ونقاشات وهم يعدّدون أسماء الأدباء والكتّاب، والفنانين، وعناوين الكتب داخل الأجنحة، وأمام أبواب القاعات التي اشتملت على محاضرات تتحدّث عن الآداب، والفنون، والتاريخ، والجغرافية، والتراث.
ولكن فرحي الكبير الماثل في قلبي هو ما أراه في هذه الكتب الجديدة فعلاً في طباعتها وموضوعاتها والأحداث والأسرار التي انطوت عليها، أعني كتب السير الذاتية، والسير الغيرية التي تتحدث عن معاني البطولة والشجاعة التي عاشها أهل التضحية والفداء خلال مواجهاتهم للإرهاب الذي تعرّضت له بلادنا العزيزة منذ عشر سنوات وأزيد، فهذه السير على غاية من الأهمية، فهي غنية بالأحداث، والقصص، والحكايات، والبطولات النادرة، والأسرار الثمينة، وطيّها، وبين تضاعيفها نرى مشاهد المواجهات وأهوالها، وصور الشجاعة والجسارة، ونقرأ عن الأحلام المرجوة، والأشواق المحتشدة داخل اليوميات والمذكرات والرسائل، مثلما نقرأ عن الحنين إلى البيوت، والأمهات والآباء، والأخوة، والأصدقاء، وعن الصبر والفداء والإيثار والكبرياء والكرامة! يا لكتب السيرة التي مجّدت الشهداء، حماة الأرض، حماة الديار، فهي الراوي الأهم لكلّ ما جرى، ولكلّ ما كان، وهي الكتب التي قرّ بين طيّاتها المستبطن الجميل من انفعالات، ومشاعر، وأحلام، وهي الكتب التي نقلت إلينا الرسائل والوصايا المكتوبة، والمشفوهة من الأهل إلى الأبناء، ومن الأبناء إلى الأهل، ومن الرفاق إلى الرفاق، ومن البقع الجغرافية إلى البقع الجغرافية، وهي الكتب التي وثّقت ساعات الحرب، فقصّت علينا أحوال الظروف التي عاشها الأبناء، في القرى، والمدن، والغابات، والجبال، والصحارى، وهم يذودون عنها دفعاً للشرور والأذيات والكواره التي صاحبت أهل الجلافة والظلم والبطش! هذه السير، وبمختلف أشكالها، هي التي كتبها جرحى الحرب عن رفاقهم الذين استُشهدوا، وعن رفاقهم الأحياء الذين ضحوا بكلّ شيء كيما يظلّ الوطن عزيزاً سالماً.
وها هنا، قربي تماماً، تجمّعات للمسرة البارقة بأنوارها، لأدباء وكتّاب، وفنانين، راحوا يوقّعون كتبهم، ويدلون بالأحاديث للمنابر الإعلامية، وقد علت وجوهم فرحة صدور كتبهم الجديدة.
في معرض الكتاب، روح ثقافية محمولة على الأكفّ، تلهج بها الألسن، وتسعى إليها أشواق المعرفة، لأن في الكتب أرقى تجليات العقل، وأسمى وجوه الحضارة، وأنبل ما اصطفته يد الحذق من مغايرات وتحولات غايتها العمران والحضارة.
ها هنا، في معرض الكتاب، أجنحة للكتب، بدت كأنها حدائق للزينة والبهجة، إنها أجنحة كتب الأطفال الذين توازعوا أمكنتها، وتقاسموا صخبهم، وأعدوا أسئلتهم، فبدوا مع أهليهم مشاهد للفرح والسرور.
ها هنا، في معرض الكتاب، تتجلّى درة الرقي في أن يكون للثقافة والمعرفة والفنون موسم خصيب محتشد بالدهشة والجمال والاشتقاق والممايزة.
وها هنا هفت النفوس ومكثت للاستزادة، والمضايفة من أجل الاستحواذ على مدونة معرفية تتباهى بها الذائقة وتغتني، وهنا قول جهير يتردّد، في كل أجنحة المعرض، بأننا نحن أهل الكتاب: تفكيراً، واشتقاقاً، وكتابة، وصناعة، وقراءة.. وتمثلاً، وجمالاً.. وغنى.
hasanhamid55@ yahoo.com