بـ “الأتمتة” نقضي على الاحتكار وفوضى الأسعار!!
علي عبود
طرحت مادة المتة “معشوقة السوريين” مجدداً موضوع الاحتكار وفوضى الأسعار، والعجز الدائم لوزارة التجارة الداخلية عن طريق نشراتها الورقية، ضبط حركة أي سلعة في الأسواق.
وقد أثبت رئيسُ جمعية حماية المستهلك عبد العزيز المعقالي لكلّ من ينكر وجود احتكار قلّة من التّجار للمواد الرائجة والأساسية، بأن الاحتكار موجود بقوة بل وباستشراس، لا يأبه بالقوانين النافذة ولا بتسعيرة الجهات الحكومية “الخلبية”!.
لقد حاول رئيس الجمعية التواصل مع المستورد الرئيسي لمادة المتة (أيّ المحتكر) لمعرفة أسباب ارتفاع أسعارها الكبير في السوق، لكنه لم يستطع التواصل معه، والسؤال: هل تمكّن وزير الاقتصاد أو التجارة الداخلية من التواصل مع محتكر المتة لإقناعه أو إلزامه بتوفير المادة حسب النشرة التموينية؟ إذ عندما يصل الفارق بين عبوة المتة سعة 500 غرام إلى ستة آلاف ليرة بين التسعيرة الرسمية وتسعيرة السوق بفعل الاحتكار، فهذا يؤكد مجدداً عجز أي جهة حكومية عن ضبط الأسعار وحركة المواد بالآليات نفسها المطبقة منذ عدة عقود.
وطالما أن وزارة التجارة لم تعترف حتى الآن بأن آلياتها بالية وغير مجدية، وهي هدر للإمكانيات، وتستنزف دخل ملايين المستهلكين محدودي الأجر، فإن الاحتكار سيبقى سيد الأسواق، وفوضى الأسعار ستستمر بشفط مليارات الليرات لتحوّلها إلى دولارات وتهريبها إلى خارج البلاد!.
لقد طرحت وزارة التجارة الداخلية منذ عقدين من الزمن تطبيق الفوترة المؤتمتة كحلّ جذريّ لضبط الأسواق والأسعار، لكنها تراجعت عن مشروعها بضغط من التّجار، ولم تعد تأتي على ذكرها باستثناء مطالبة الفعاليات التجارية الصغيرة التقيّد بالفواتير النظامية الورقية الشكلية!!.
وبما أن وزارة المالية نجحت بربط فواتير الكثير من المنشآت والفعاليات إلكترونياً لتسديد التزاماتها الضريبية، فماذا تنتظر وزارة التجارة الداخلية لإحياء مشروع أتمتة الفواتير التي قد تقضي جزئياً على الاحتكار وفوضى الأسعار؟!.
إن اختلاف السعر للمادة الواحدة في السوق نفسها هو ترجمة صارخة لفوضى الأسعار التي لا يمكن ضبطها بنشرات تسعير وهمية، ولا بضبوط ولا بإحالة المخالفين للقضاء، ولو كانت هذه الآليات فعّالة لما انتشرت المخالفات على نطاق واسع لم نشهده في الماضي البعيد أو القريب.
وبالنسبة لغرف التجارة فهي لديها دائماً الحجج الجاهزة لتبرير ارتفاع الأسعار، كعدم استقرار سعر الصرف والنفقات المستورة (أي الرشاوى)، وارتفاع أسعار المحروقات وأجور الشحن وصعوبات نقل المادة إلى سورية.. الخ. ولا ترى الغرف حلاً للاحتكار وخفض الأسعار سوى بفتح باب الاستيراد بالكامل (وليس التصنيع) لمن يرغب لكلّ المواد من أي مصدر وأي بلد.
حسناً، لتسمح الحكومة بفتح باب الاستيراد للتّجار بشرط تمويلها من عائدات صادراتهم أو من ودائعهم الخارجية، بل وإلزامهم أيضاً بإيداع مبلغ من الدولارات بلا فائدة في المصارف السورية، ترى هل هذه الشروط تعجيزية وتحديداً الوديعة الدولارية؟.
كلا، هي ليست كذلك، فقد قام عدد من رجال وسيدات الأعمال السوريين الراغبين بالحصول على الجنسية المصرية بإيداع كلّ واحد منهم مبلغ 750 ألف دولار كوديعة في البنك المركزي المصري لن يستردها إلا بعد 5 سنوات ومن دون فوائد.. ترى لماذا لا يتردّد التاجر ورجل الأعمال في الخارج بإيداع ما يقارب المليون دولار في المصارف مقابل خدمة شخصية، في حين لا يقوم بالفعل نفسه في سورية مقابل نشاطه التجاري، مع إن مثل هذه الودائع تُثبّت سعر الصرف وتقضي على المضاربة وتخفّض الأسعار؟!.
ما يحصل العكس تماماً، التاجر السوري يسعى للاستيراد بدولارات المركزي، ويسعّر بالدولار الأسود، وأكثرهم يختمها بتحويل أرباحه إلى دولارات ليهربها إلى الخارج.
مهما كان رأي التّجار، فإن الأتمتة وحدها من يقضي على الاحتكار وفوضى الأسعار، وهذه الأتمتة لا يمكن تطبيقها إلا بالتعاون ما بين وزارات المالية والاقتصاد والتجارة الداخلية..، والسؤال: كيف؟.
البداية من وزارة الاقتصاد، عليها أن تنجز منصة إلكترونية تتضمن (داتا) لجميع التّجار المستوردين، وتخصيص (داتا) منفردة لكلّ تاجر ماذا يستورد، وكشف بكميات المواد التي استوردها.. إلخ.
بعدها يأتي دور وزارة المالية التي يجب أن تبدأ بأتمتة عمل الجمارك لمنع أي احتكاك مباشر بين المستورد والمخلّص الجمركي، واستناداً إلى (داتا) التّجار المعتمدة من وزارة الاقتصاد تقوم الجمارك عبر منصة إلكترونية متجدّدة على مدار اليوم بتسجيل بيانات بكميات البضائع المستوردة من كل تاجر، وأسعارها عند وصولها إلى المرافئ أو عبر منافذ الحدود، وتكلفتها النهائية بعد إضافة الرسوم والضرائب.. إلخ.
الحلقة الأخيرة والأهم هي وزارة التجارة الداخلية، فمن خلال منصة إلكترونية خاصة بها تحتوي (داتا) بمستودعات التّجار، وربط حركة خروج ودخول المواد إليها إلكترونياً، يمكنها أن تعرف ساعة بساعة حجم حركة المواد لدى التّجار وفيما إذا كانوا يمارسون الاحتكار، وبعد إضافة تكلفة نقل المستوردات من المرافئ إلى المستودعات تعرف وزارة التجارة التكلفة النهائية للسلع والمواد مع إضافة هامش الربح المقرّر، وعندها يمكن بسهولة تطبيق الفواتير المؤتمتة وليس الورقية الخلبية.
كما يمكن لوزارة التجارة الداخلية أن تقيم منصة إلكترونية لأسواق الهال، تضبط من خلالها حركة المواد وأسعارها من خلال فواتير مؤتمتة.. إلخ.
بالمختصر المفيد: لا يمكن للحكومة أن تقضي على الاحتكار وفوضى الأسعار، بل وتخفيضها واستقرارها إلا بالأتمتة، سواء قبل التّجار أم رفضوا.