الحفرة الانتخابية ؟!
بشير فرزان
من المؤكد أن ما حصل لم يلغ أو يؤثر كثيراً على أجواء الارتياح لنتائج انتخابات الإدارة المحلية التي حققت قبولاً شعبياً وبعثياً لابأس فيه، ولكن بكل تأكيد لن نستطيع إلغاء حقيقة تعكير المزاج العام وأنه أصاب المؤسسة الحزبية بسؤال الشك نظرا لما أفرزته من حالات عدم التزام بالقرارات الحزبية وبخيارات القيادات المتسلسلة التي انكفأت بعد صدمة اختراق القوائم وباتت غير قادرة على ترميم الثغرة أو الفجوة التي أحدثتها في العلاقة بينها وبين قواعدها التي أصبحت غير منسجمة مع توجهاتها وقناعاتها وبشكل أشعل فتيل التكتل لمجابهة تشتت القرار والانصياع للمصالح الشخصية في أضيق قنواتها، وأخطر ما في الأمر ذهاب القرار في غالبية المناطق إلى الوجهاء والمشايخ الذين أداروا الدفة الانتخابية بذات العقلية ولكن مع الحرص على تطعيم القوائم التي يدعمونها ببعض خياراتهم الشخصية وبنسب محددة وبسيطة.
ومن جهة ثانية لم يكن حجم الأخطاء رغم وجودها في كافة المحافظات بمستوى التجارب الانتخابية السابقة والتي دارت حولها الكثير من الأقاويل والانتقادات المشككة في صوابية نتائجها المدانة بالانحراف عن مسارها الديمقراطي وانزلاقها في التبعية والشللية إلى جانب إصابتها بعدوى الأمراض الاجتماعية كالعائلية وغيرها بشكل خيب الآمال ورغم أن كثرة الشكاوى التي تم تقديمها والإشكالات التي حصلت في الكثير من المناطق وفي مختلف المحافظات حول الانتخابات ترفع الغطاء عن واقع مؤلم وحالات مثبتة لا يمكن بحضورها تبرئة المؤسسات المعنية من المسؤولية عن الخلل الحاصل في بعض مراحل العملية الانتخابية إلا أنه يبقى ضمن المقبول ويحقق المبتغى بمرور الخيارات من صناديق الاقتراع .
وإذا كان ما حصل يعيد الصورة القاتمة للانتخابات السابقة بكل ما فيها من سلبيات إلى ساحة الضوء، إلا انه يندرج ضمن عسر المخاض الانتخابي الذي يترافق عادة مع أية عملية انتخابية تجري في مختلف أنحاء العالم، ولكن لابد من التوقف عند خيارات المؤسسة الحزبية التي كان بعضها محل خلاف وغير مرضية للمجتمع المحلي الذي لفظها خارج دائرة الانتخابات في مراحلها الأولى حيث سجلت اختراقات كثيرة على حساب قوائم الوحدة الوطنية التي لم تصمد أمام الإجماع الشعبي والإصرار على خياراته التي كانت في بعضها تحت المظلة الحزبية فتابعت ترشحها دون اكتراث بقرار قياداتها البعثية وقد وفقت في أكثريتها ونالت مرتبة متقدمة في قوائم النجاح وبعضها الآخر من المستقلين الذي كان لهم النصيب الأكبر في المنافسة والتقدم نحو النجاح الانتخابي من خلال الرضى الشعبي وعبر صناديق الانتخاب.
ورغم تمسك القيادة الحزبية بقراراتها تحت عنوان الحرص على المصلحة الوطنية والحزبية قررت القيادات الحزبية الاستمرار في فرض حضورها داخل العملية الانتخابية رغم أن 90% من المترشحين هم ضمن قوائم الوحدة الوطنية ممن انطبقت عليهم الشروط الانتخابية. وهنا عادت لإحراج المؤسسات الحزبية واقحمت نفسها بشكل كان سيخالف المرسوم 107 الخاص بانتخابات الإدارة المحلية ومحاولة فرض خياراتها وبشكل أوقعها في الخطأ مرة أخرى عبر قوائم وحدة وطنية تخص المكاتب التنفيذية ورؤساء المجالس بمختلف مستوياتها وذلك بما يشبه الالتفاف على عمليات الاستئناس الحزبي التي على ما يبدو لم تعجب نتائجها أيضاً هذه القيادات التي لم تتعلم بعد مهارات الديمقراطية وغاصت في الشخصنة والانتفاع إلى قاع التمرد على رغبات وإرادة الجهاز الحزبي محاولة بذلك الانفراد بالقرار وبسط رغباتها على حساب المجتمع ككل وحتى على حساب المصلحة الحزبية فكان سمتها البعثي غير مواكب لتطلعات الشارع وبعيد عن أهداف المرسوم 107 وخاصة لجهة الإنسان المناسب في المكان المناسب.
ما يثير الغرابة تلك المشاهد التي كانت حاضرة في عمليات انتخاب المكاتب التنفيذية والتي وثقت رفضاً بمستوى التخلي عن العضوية البعثية أمام إصرار القيادات الحزبية على تمرير مشروعها الانتخابي من خلال انتقائها لأشخاص دون تقديمها أي مبرر سوى التهديد بالفصل في حال عدم الرضوخ لرغبة القيادة وانتخاب قوائمها بكل ما فيها من إشارات استفهام رغم قناعتها بعدم مشروعية ما تقوم به وخاصة مخالفتها للمراسيم والقوانين الناظمة لانتخابات الإدارة المحلية؟
واليوم أمام الجدل الساخن حول مدى صحة التدخل الانتخابي من المؤسسات الحزبية بمختلف مستوياتها لابد من الوقوف عند ما حصل وتقديم الكثير من المتدخلين إلى الرقابة من أجل المحاسبة والمساءلة ولجم الرغبات الشخصية التي لم تصقلها العديد من التجارب الانتخابية فعادت للوقوع مرة أخرى في ذات الحفرة. مع الانتباه إلى حالة دائمة في كل التجارب الانتخابية وهي أن النتائج ترضي دائماً من يفوز وفي المقابل يواجهها من لم يحالفه الحظ بالطعن والتشكيك في صحة نتائجها؟!