المؤتمر الدولي للتخطيط المكاني الذكي ودور البيانات العمرانية.. خطوة مهمّة نحو التوجّه لإعادة الإعمار
دمشق – لينا عدره
بدأت اليوم أعمال المؤتمر العلمي الثاني الدولي للتخطيط المكاني الذكي، الذي ينظمه المعهد العالي للتخطيط الإقليمي بالتعاون مع محافظة دمشق، بمشاركة باحثين ومختصين عرب وأجانب، حيث تم عرض جملة من الأبحاث والدراسات ذات التأثير المهم في التخطيط الإقليمي ليُشكّل المؤتمر فرصة مهمّة للتواصل وتبادل الأفكار والخبرات.
واعتبر الدكتور محسن بلال عضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، رئيس مكتب التعليم العالي، اعتبر أن المؤتمر حدث علمي واجتماعي من الدرجة الرفيعة، حيث يضم قامات علمية مهمة من الداخل والخارج ولا سيما من إيطاليا التي يهتم الكثير من باحثيها بمدينة دمشق العريقة، وكذلك مهندسوها المدنيون المعروفون، معرباً عن أمله بأن يتم استثمار مخرجات المؤتمر بالشكل الأمثل.
وفي تصريحٍ خاص لـ “البعث” أكدت د. ريدة ديب عميد المعهد العالي للتخطيط الإقليمي، أن عقد المؤتمر الدولي للتخطيط المكاني جاء تلبيةً للاحتياجات والتراكمات التي نجمت عن الحرب، وتلبيةً لاحتياجات ومتطلبات التخطيط المكاني الذي يحتاج إلى تداخل كم هائل من البيانات للاستشراف ووضع السيناريوهات والبدائل التخطيطية في ظل المتغيّرات المتسارعة، ولاسيما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي الذي يستدعي التوجّه نحو استغلال البيانات الضخمة للتغلب على تحدّيات البيانات والمساعدة بتوجيه معظم القرارات، وبالتالي تكامل البيانات الضخمة والمعلومات الجغرافية المكانية لتجميع مؤشرات أهداف التنمية المستدامة، مشيرةً إلى أن التخطيط المكاني جزء أساسي من منظومة التحوّل الرقمي، ولاسيما مع توجّه العالم نحو التكنولوجيا والعمل عن بعد، وبسبب ما تواجهه البشرية من قضايا معقدة كالاحتباس الحراري والتغيّرات المناخية والأوبئة المستعصية، التي فرضت تحوّلاتٍ سياسية اقتصادية ومكانية انعكست بشكل مباشر على المجتمعات وتطلعاتها نحو الصحة والأمان والاستقرار، وخاصةً أننا اليوم نشهد في سورية مرحلة تعافٍ بعد الحرب، تتزامن مع عمليات إعادة الإعمار في كل المجالات، وترتبط بشكلٍ مباشر برؤيتنا لغاية 2040 وأهدافها المنسجمة مع أهداف التنمية المستدامة جنباً إلى جنب مع توجّه الدولة نحو مواكبة أهم التطوّرات والاتجاهات العالمية في الذكاء والتحوّل الرقمي في جميع مؤسساتها، لتبقى في المسار العالمي للتنمية من جهة وللحد من استهلاك الموارد والانطلاق نحو العمل الاستراتيجي والإبداع من جهة أخرى.
من جهته اعتبر محافظ دمشق، المهندس محمد طارق كريشاتي، أن عقد المؤتمر حدثٌ مهم، وخاصةً أننا في مرحلة إعادة الإعمار، ما يمكّننا من التعرّف على أهم ما توصل إليه العلم في التطوّر العمراني والمعرفي والمكاني الذكي، ليأتي المؤتمر نقطة وعلامة فارقة في مسيرة التعافي، مشيراً إلى التعاون المشترك بين المحافظة والجامعة لوضع خطة عمل تمتدّ من منتصف 2022 حتى 2025 تحت عنوان “دمشق القديمة مدينة مستدامة نحو التحوّل الرقمي”، والتي تضمّنت استراتيجية التحوّل الرقمي المؤلفة من أربع مكوّنات أساسية، يندرج ضمنها 25 برنامجاً تنفيذياً جرى تنفيذ 3 برامح منها حتى الآن، تهدف إلى إزالة الخطر عن مدينة دمشق القديمة لتبقى على لائحة التراث العالمي، والارتقاء بها، لتكون مدينة رقمية مستدامة تراعي متطلبات الحياة لسكانها، لافتاً إلى اهتمام المحافظة عند تخطيط المناطق التنظيمية الحديثة بشكلٍ خاص لتحقيق متطلبات العصر للمدن الذكية المستدامة لتشكّل الماروتا سيتي باكورة أعمالها، من خلال تخطيط وتنفيذ بنى تحتية حديثة توافق المتطلبات العالمية في هذا المجال، حيث وصل طول الأنفاق الخدمية في الماروتا سيتي إلى 17 كيلومتراً تشمل شبكة اتصالات حديثة، كما تشمل خطة المحافظة تخصيص مركز لإدارة المدينة الذكية تتجاوز مساحتها 14 ألف مربع، مجهز بأحدث التجهيزات والمعدات يستقطب أهم الخبرات والمهارات في هذا المجال، ويقدّم خدماته الالكترونية الذكية ليس فقط للماروتا سيتي وإنما للمحافظة.
وأضاف المهندس كريشاني: إن رؤية المحافظة لا تقتصر فقط على إنشاء أنموذج عصري للمدينة الذكية المستدامة، وإنما لتأمين بيئة مناسبة لتطبيق اقتصاد معرفي للتنمية المستدامة يساهم في تطوير الاقتصاد بتأمين فرص عمل للشباب، مشدّداً على أن تطوّر المدن الذكية هو عبارة عن عملية تدريجية تتطلب تضافر جهود العديد من القطاعات والجهات المختصة، لأنها تشمل التخطيط والتنفيذ والمواكبة والمعالجة، لذلك ومن هذا الإطار تقف محافظة دمشق بصدد مراجعة الدراسات الخاصة بالماروتا سيتي، بسبب مرور عدة سنوات عليها وإعادة مراجعتها في ضوء آخر التطوّرات التي طرأت في العالم ضمن هذا المجال.
وبدوره، شدّد عميد مركز التخطيط الحضري الإقليمي التابع لجامعة بغداد، الدكتور كريم حسن علوان، على أهمية اختيار العنوان، لأن التخطيط المكاني بات مطلباً عالمياً، و الاتجاه اليوم نحو المدن الذكية، لأنها مفاهيم ومعايير تعمل نحو إيجاد سياسات تنموية تهدف إلى تطوير البلدان والمدن وإعداد المخططات الأساسية في الظروف الحرجة غير التقليدية، ما يساهم مساهمة كبيرة في خلق السياسات والاستراتيجيات والمخططات في المدن التي يعاني فيها المجتمع المحلي.
من جهتها اعتبرت الدكتورة أسماء الكتبي رئيسة الجمعية العلمية الجغرافية الإماراتية، أن عقد المؤتمر ستكون له نتائج إيجابية مهمّة بالنسبة لسورية خاصة في إعادة الإعمار، لأنه جمع باحثين عالميين وعرباً ما سيسمح بتلاقح الأفكار والاستفادة منها من زاويا متعددة، ومحاولة الاستفادة من التجربة الإماراتية بهذا الخصوص، مشيرةً إلى أن المدن التاريخية أصلاً كانت تتفاعل بذكاء مع البيئة بحيث تستغل كل المصادر الموجودة.
الدكتور مازن إبراهيم النائب العلمي في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، تحدّث عن أهمية هذه المؤتمرات لأنها تعدّ فرصة للتعرّف على مفاهيم وتطبيقات جديدة، نستفيد منها في إعادة الإعمار، لافتاً إلى وجود 44 منطقة في سورية تعرّضت لتدمير بدرجاتٍ متفاوتة، ما يجعل إقامة مثل هذه المؤتمرات فرصة لترشيد التكاليف وتوفير الوقت ورفع جودة العمل حالما أرادت الحكومة البدء بإعادة إعمارها، وخاصةً أن الباحثين المشاركين من دولٍ مختلفة كالهند وإيطاليا والإمارات والعراق ومصر سيقدّمون خلاصة أبحاثهم وخبراتهم في هذا المجال، وهو ما نحتاج إليه اليوم في هذه المرحلة للاطلاع على تجارب ومهارات الدول في العالم. ومن هنا – تابع إبراهيم – ربّما يتبيّن الدور الكبير للبيانات المنظمة والدقيقة في عملية التنمية في سورية، في ظل الثورة الرقمية الحاصلة، لما لها من دور مهم في دعم اتخاذ القرار السليم ورسم الخطط والسياسات الاستراتيجية والتنموية من متخذ القرار.
حضر الافتتاح وزيرا التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور بسام إبراهيم والأشغال العامة والإسكان المهندس سهيل عبد اللطيف، وأمين فرع دمشق للحزب حسام السمان، وعدد من رؤساء النقابات المهنية وأعضاء مجلس الشعب، وممثلي البعثات الدبلوماسية بدمشق وأعضاء الهيئة التدريسية في كليتي الهندسة المعمارية والمدنية وطلابهما.