صلة الرحم الإلكترونية والفوضى الاجتماعية
غالية خوجة
لم يتوقّع أبناء جيلي ومن سبقنا من الأجيال أن تتحوّل صلات أرحامنا وأعصابنا من واقعية إلى إلكترونية عبْر وسائل “السوشيل ميديا” بهذه الطريقة الافتراضية!.
هل لأن فطرتنا ملتحمة مثل الملتحمة والقزحية والعصب البصري والقلب ببطيناته وأُذيناته وشرايينه التي تضخّ الدماء الحمراء النقية، على عكس هذا الفضاء التكنولوجي الأزرق؟.
ثم ماذا نفعل بكلّ هذه الورود “الواتسابّيّة” و”الماسنجريّة” مثلاً؟ هل نزرعها في أصيص على الشرفة؟ أم نضعها بين دفّتي كتاب نقرأه منتظرين الفراشات الهاربة من الحدائق والبساتين أن تزور عطورها الجذابة؟..
يا أخوة السوشيل ميديا بدل أخوة الدم والأرحام والأعصاب! أيها الأهل والأخوة والأبناء، بيننا مسافات معلومة، فهل الشاشات أقرب من مسافات قلوبنا؟ أم “على قلوب أقفالها”؟.
الأرواح تلتقي بين الأهل والقلوب دون مسافات لأن البعد قربٌ، والقرب بعْدٌ، فتنتفي المسافات الزمانية والمكانية بين النبضات في المدينة الواحدة والوطن الواحد وبين البلاد، لكنها تظلّ نبضات زرقاء تتدرّج في البرودة، على عكس النبضات الأرجوانية الفينيقية المشبعة بحرارة أوكسجينية تدوم.
لكن، ماذا لو نظرنا إلى الناس حوالينا؟ لطرقت مطرقة الوقت على سندان القلب ولانت الروح مع الأسئلة التي تشكّلها فئة من البشر، منهم الأطفال وكبار السن والعجائز المنتشرين في كلّ مسافة مكانية بلا أهل وأقرباء ولا أحد! ولربما هناك أهل لبعضهم لكنهم لا يسألون عنهم ويهتمون بهم ويعطفون عليهم بمحبة وإنسانية دون شفقة، وقد يكون لبعضهم أبناء وأهل خارج الوطن ويرسلون لهم نثرات مالية قد تساعدهم، لكنها لن تغنيهم عن لمسة إنسانية تساعدهم في عبور الشارع، أو عملية التسوق وحمْل أكياس الخضار والدواء والعكاز، ولن تغنيهم عن نبضة تركض إليهم وتحضنهم في ليل الوحدة والألم والبكاء والحنين والمرض المفاجئ.
ألا نحتاج إلى سنّ قوانين تخصّ علاقة الأبناء بأمهاتهم وآبائهم، مع ضرورة تطبيق القوانين لا سنّها فقط؟ ألا نحتاج أن نفرض وبالقانون الوضعي ما هو مفروض شرعياً بالقوانين الإلهية في حالات عدم الالتزام إنسانياً؟ ألا نحتاج إلى قوانين تطبيقية قابلة للتفعيل لأولئك الأطفال المشردين واليتامى والفقراء المنتشرين في الشوارع؟ الأطفال المستغَلّون من قبل زعيم نباشة القمامة وغيره من الزعماء، وفهمكم للواقع يكفي، خصوصاً، بعد العشرية الظالمة على سوريتنا الحبيبة؟.
ولن ننسى التفكك العائلي والاجتماعي الناتج عن سهولة الطلاق، والارتباط السريع بزوجة ثانية وثالثة ورابعة دون تطبيق قانون ينظم الحقوق الواجبة على الزوج، ودون الانتباه إلى الأطفال مهما كان عمرهم كضحايا حاليين وألغام بشرية مستقبلية من الجهل والانحراف نحو الجرائم المختلفة.
معروف أن حقوقاً عديدة لكلّ إنسان، منها السكن والتعليم والغذاء، ولا بدّ لكل إنسان أن يقوم بواجباته، لكن، كيف يقوم بواجباته إنسان لم ينل أبسط حقوقه “الإنسانية” في هذه الحياة؟!.
أسئلة كثيرة تفرضها التحولات التكنولوجية المؤثرة على العلاقات الإنسانية عائلياً، اجتماعياً، مهنياً، ولا بدّ من إعادة صياغتها بطريقة معاصرة حياتياً وقانونياً لتكون العقوبة المغلّظة مناسبة لمن يهمل والديه وهما في أشد الحاجة لرعايته وجدانياً وعملياً لا مادياً فقط، ولا بدّ من تفعيل القوانين المتعلقة بالآباء المهملين لرعاية أبنائهم تربوياً وتعليمياً وإنسانياً، وتطوير هذه القوانين بما يتناسب مع هذه المرحلة، إضافة إلى تطوير قوانين مشدّدة تراعي مستقبل المجتمع في أحوال الطلاق وتعدّد الزوجات، ولا بدّ من مراكز توعوية تثقيفية تعيد ترتيب العلاقات الإنسانية ثقافياً ونفسياً خاصة بالأطفال والشباب والمرأة والرجل والعائلة والأبناء والمخطوبين والمتزوجين والذين هم على وشك الانفصال والمنفصلين، من خلال ورشات عمل تستمع للجميع وتتناقش مع الجميع لتبتكر الحلولَ تحاورياً.