ملامح الانتفاضة الثالثة
علي اليوسف
تظهر ملامح انتفاضة فلسطينية -ربما تكون الثالثة- بالنظر إلى التوتر الحاصل في الأراضي المحتلة لجهة الاستنفار الإسرائيلي غير المسبوق، وجرأة المقاومين في اقتحام معاقل الاحتلال الصهيوني، والتي عبّر عنها عدي التميمي من موقع عملية إطلاق النار الثانية التي نفذها عند مدخل مستوطنة “معاليه أدوميم”، بعد العملية الأولى في شعفاط.
من الطبيعي أن يكون للشهيد التميمي رمزية كبيرة في الشارع الفلسطيني، بل تغذية الروح الوطنية والثورية، كونها تمثل نموذجاً حياً للجيل الفلسطيني الجديد الذي يحمل في أفئدته التمرد على فكرة الاحتلال أو الاستسلام للواقع الأمني في القدس والضفة المحتلتين.
وما دام إعلان الجزائر المنبثق عن “مؤتمر لم الشمل” أبصر النور، والذي بلا شكّ جاء لمصلحة وحدة الصف الفلسطيني، فهذا يعني أن المؤشرات تدلّ على الذهاب نحو تصعيد العمل المقاوم في الضفة المحتلة، وبالتالي قد تشهد الأيام المقبلة سلسلة جديدة من العمليات الاستشهادية، والتي من غير المستبعد أن تتحوّل إلى انتفاضة ثالثة، إذ تشير جميع المؤشرات إلى دخول أعداد لا بأس بها من الشبان إلى ساحة المقاومة، وهو ما يعني بالضرورة ظهور نهج مقاوم متجدّد في المدن الفلسطينية المحتلة.
وهذا الافتراض -انتفاضة ثالثة- قد يتكرّر في ظل الظروف الراهنة، خاصةً وأنه بدأت تتوفر مشاركة حقيقية في التصدي للاحتلال الصهيوني، وربما تكون الانتفاضة الثالثة قد بدأت فعلياً بعيداً عن النماذج السابقة منذ ما يزيد على العام، وبقيت مستمرة بوتيرة متقطعة وحتى الآن، وما يميّزها عن سابقاتها أنها تأتي من الشباب الرافضين للواقع الراهن بمختلف جوانبه، وغير المؤطرين حزبياً في الغالب، ولعلّ تصاعد وتيرة العمليات العسكرية المنفردة في الضفة الغربية -النوع الجديد من المواجهة- يشير بوضوح إلى أن الانتفاضة الثالثة قادمة لا محالة.
في مقابل ذلك، تعيش قيادة الاحتلال الصهيوني حالة كبيرة من الإرباك، لأنها -باعتراف مسؤوليها- تتعامل مع انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية، ولكنها انتفاضة من نوع آخر. من هنا فإن ما يحدث في الضفة الغربية يشكّل محطة فارقة بلا شك، لأن أهم ملامح التحول الذي تشهده هو أن جميع العمليات التي تستهدفت الاحتلال لم تكن مرتبطة بأي فصيل فلسطيني، ولم تكن عملاً منظماً، وإنما كانت عمليات منفردة لا علاقة لأي منها بالأخرى.
إذاً هي، أي العمليات الفردية، باتت ظاهرة يصعب على الاحتلال مواجهتها أو التعامل معها أمنياً وعسكرياً، لأنها عمليات لا ترتبط بأي تنظيم مسبق، كما أن توقع مكان وزمان مثل هذه العمليات غير ممكن أيضاً، وحتى إحباطها مسبقاً، أو مكافحتها قبل تنفيذها أمر غير ممكن.
بمعنى أن ما يجري على الأرض مرتبط بجيل جديد من الفلسطينيين، جيل لم يشهد الانتفاضة الأولى والثانية، وهو الجيل التي كان يراهن الكيان الصهيوني على أنه سيقبل التعايش مع الاحتلال على أنه أمر واقع. لكن هذا لم يحدث، وظهر جيل جديد لا يبدو أنه حقق الطموح الصهيوني، وخير مثال على ذلك هو عدي التميمي.