الصين وتغيير النظام العالمي
ريا خوري
فرضت الصين نفسها ركناً أساسياً في بنية النظام الدولي، وما حقّقته من نجاحات هائلة على عدة أصعدة ونفوذ قوي في السنوات الماضية، والذي من المتوقع أن تعززه في المستقبل القريب، هو الذي سيؤهلها للفوز بالمزيد من الأوراق في مواجهة الخصم الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تعتبر الصين هي التحدي الأكبر.
في المقابل، لا يشعر المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها بالاطمئنان للرئيس الصيني شي جين بينغ مهندس صعود الصين وتفوقها، بعد إعادة تنظيم الاقتصاد وتعزيز قدرات الجيش، وترسيخ الانضباط وفق القوانين والتشريعات في مؤسّسات الحزب الشيوعي والمجتمع، وعزمه على إعادة التوحيد مع جزيرة تايوان.
وعلى الرغم من التطور الكبير، الذي حقّقته الصين في بضعة عقود، ما زالت القيادة الصينية تطمح إلى الوصول إلى ذروة النظام الدولي، وتأكيد قدرتها وفعاليتها على إعادة تشكيل العالم من جديد. وبهذا الشأن، أجمع معظم الباحثين الاستراتيجيين على أن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي كان محطة فاصلة في تاريخ الصين المعاصر، فكل ما ورد في الخطاب الافتتاحي للرئيس شي جين بينغ يؤكد أن كل وعوده وتعهداته تأخذ في الاعتبار أهم المتغيّرات العالمية المتسارعة، فقد تضمن الخطاب عقبة الولايات المتحدة التي تحاول قمع طموح بلاده ومستقبلها في الصعود، وفرض مصالحها كأي قوة ضاربة في العالم.
هذا الموقف الصيني لم يصدر من فراغ، بل جاء بعد عدة أيام من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجيتها للأمن القومي، وصنفت بمقتضاها جمهورية الصين الشعبية بأنها المنافس الوحيد الذي يمتلك إمكانيات اقتصادية وعسكرية وسياسية وتكنولوجية قادرة على إعادة تشكيل النظام الدولي وإنهاء أحادية القطب، ولهذا أصرّ الرئيس الصيني شي جين بينغ على ذكرها في خطابه لتكون رداً صريحاً وواضحاً ومباشراً على هواجس الولايات المتحدة.
في السنوات القليلة الماضية، بدأت تنمظهر المتغيّرات والتبدلات، ومنذ واجه العالم جائحة كوفيد-١٩، بدأت تتخلخل التوازنات وتتبدل، وبدأت المعادلات تتحور وتنحرف، وعندما اندلعت الحرب في أوكرانيا بدأت أولى المعارك الفعلية لإعادة بناء النظام الدولي القائم على تعدّد الأقطاب وإنهاء القطبية الواحدة، وهذا الأمر متفق عليه بين قيادتي الصين وروسيا. وحتى في قمة أوزبكستان التي انعقدت مؤخراً، اتضحت المسارات، ولم يعد من الممكن تحييد أو فصل ما يجري في أوكرانيا من صراعات عسكرية واقتصادية وسياسية استراتيجية، ومن هنا ستحمل مخرجات واستحقاقات مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الذي أنهى أعماله استراتيجية جديدة تؤكد ما سبق، وتنسجم مع ما تمّ الاعتقاد بتحقيقه.