معرض نبيل السمان.. اللوحة تتوسد التاريخ
أكسم طلاع
لا يزال معرض الفنان التشكيلي نبيل السمان قائماً في صالة زوايا للفنون الجميلة بدمشق، وقد جاء ضمن فعاليات الأيام التشكيلية السورية، حيث المعارض الفنية التشكيلية في أوج موسمها السنوي.
في هذا المعرض الفردي للفنان نبيل السمان إضافة جديدة لتجربته السابقة، وتأكيد على خصوصية هذه التجربة الحاضرة بحكايتها البصرية التي لا تتخلى عن استلهام علامات التاريخ الفاصلة وأعلامه، ملتزماً في استعادة هذا الماضي بتفاؤل يستند إلى قناعات ثقافية وجمالية تؤكد حقيقة هذه البلاد القادرة على استعادة أمجادها ودورها في رسم مستقبلها المنتمي لتاريخ عميق في الحضارة الإنسانية.
يؤثّث نبيل السمان لوحته بعناصر سابقة في الوجود المادي للوحة التي ستحتفي بما سيرسمه عليها ضمن صياغة جديدة، يبنيها بلغة المحتفي الكريم في اللون والسطح، وقد يصل إلى إضافة كتابات في فضاء مجاور، قاصداً الفكرة مباشرة دون تلميح جمالي آخر، ما يجعل من هذا الفنان سارداً لتعاليم خاصة أو بيانات تاريخية وأخلاقية تشي بالوعظ والحكمة المدعومة بأمثلة وشواهد.
قياسات متنوعة من الأعمال المشغولة بتقنية الرسم بالأكريليك، ولا يخلو الأمر من بعض ملامح الأرابيسك التي يوليها الفنان عناية خاصة تستغرق الفكرة وتذهب باللوحة نحو التزيينية والزركشة التي لم ينجُ منها نبيل السمان أبداً، بل أضحى الفنان الباذخ في تفاصيل اللوحة وعناصرها الرافدة، فهو يضع رائيه أمام مثاله الأساسي وقد يكون وجهاً من التاريخ ويجعل منه محور اللوحة التي تدور حولها إضافات الفنان الجمالية بغية حشد أكثر لهذا الحضور البصري المركزي، ما يجعل من اللوحة عروس الفكرة أكثر منها لوحة تحمل فكرتها أو تقنيتها.
هذه التجربة واحدة من تجارب تشكيلية سورية تحتفي بالقديم السوري، ومن هذه التجارب الرائدة وخاصة التدمري منه، ونجد ذلك في منتج الراحل أحمد مادون والياس زيات وآخرين من الرسامين والنحاتين السوريين الذين كانت أعمالهم على مسافات متنوعة من هذا الإرث، وقد نجح وتميّز من استلهم أو أعاد صياغة الموروث البصري بصيغة معاصرة أكثر من أولئك الذين تناولوه كمقدس يجب عبادته أو تكرار رسمه واستثمروه بثقافة المتلقي ضمن ثقافة الاستثمار أو الاستعراض السياحي أو التوظيف السياسي والدعائي.
في هذا المعرض، كما سبق، لا ينقطع السمان عن التزامه برسالته الجمالية كفنان سوري يدافع عن حقيقته، كوريث لحياة مبدعة سابقة أنجزت خلودها، وبالتالي لا خيار له إلا الدفاع عن هذه الحياة الكائنة في غصن الجمال الممتد إلى الشجرة الأم بجذورها الراسخة في أرض أنبتت شواهد التاريخ العظيم.. فكان الفن والفنان.