مقدمات ونتائج
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
أرسل لي صديق مقطع فيديو للكاتب الساخر محمود السعدني يتحدث فيه عن موقف حصل معه عندما كان يعمل في مجلة “التحرير” التي كان يرأسها محمد قاسم جودة، وفي يوم دخل إلى مكتبه الأديب يوسف السباعي يصحبه شاب يبدو عليه عدم التوازن يحمل في يده مغلفاً، وطلب منه السباعي أن يكتب مقدمة لكتاب ألّفه هذا الشاب، فرحّب به السعدني ظناً منه أن يوسف السباعي يريد التخلص منه، وقال للشاب: ضع الكتاب وتعال غداً لتأخذ المقدمة، وعندما ذهب فتح السعدني الكتاب وكان عنوانه: “قصص من الحياة” للكاتب محمد حامد أبو الحمد، فذهل مما رأى فأول قصة تحمل عنوان: “يابوليس الفضيلة الحقوني تعالوا زوجتي في الحديقة امسكوها” والقصة الثانية: “يارجال النيابة زوجتي في الحديقة” وكذلك القصة الثالثة عنوانها: “إلى من يهمه الأمر: إن زوجتي في الحديقة” فحدّث السعدني نفسه بأن هذا الشاب ليس على سوية عقلية جيدة ليأت إليه يطلب مقدمة لهكذا كتاب، وبناء على ماقرأ كتب السدني له مقدمة ساخرة جداً وكتب في الأعلى بقلم محمود الصعيدي- عضو جماعة كبار الأدباء، وظن أنه عندما سيقرأها وينتبه لأسلوب السخرية فيها سيمزقها لأنه سيعرف أنها ليست مقدمة جادة، لكن المفاجأة أنه وبعد أقل من شهر التقى ببائع جرائد ينادي: “اقرأ كتاب قصص من الحياة، واقرأ مقدمة بقلم محمود الصعيدي” فأخذ السعدني الكتاب ووجد فيه المقدمة والقصص ذاتها، والمفاجأة الأكبر أن نسخ الكتاب بيت كلها.
هذه الحادثة التي تحدث عنها الكاتب محمود السعدني تتطابق كثيراً مع كتب تصدرها دور نشر خاصة وحتى مؤسسات ثقافية رسمية، إذ نرى الكتاب بغلاف جذاب وعنوان لافت ومقدمة تبهر، لكن مايأتي بعدها من مضمون الكتاب لايحمل أي قيمة، وغالباً تتشابه المقدمة مع ما أورد الكاتب السعدني هي بواد ومضمون الكتاب بواد آخر، فالمقدمة كما نعرف جميعاً يراد بها التعريف بالكتاب المقدَّم له، والإشارة إلى المواضع الجيدة فيه والمآخذ عليه، وإثراء فكرة الكتاب وموضوعه بخلاصات معرفية ورؤى تأملية، إضافة إلى أنه لا بد أن يكون المقدِم للكتاب على اطلاع على مضمونه وتربطه علاقة وثيقة مع المؤلف يعرف أسلوب كتابته وتفكيره ومدى إخلاصه لموضوعه ومناقشة المؤلف في بعض ما ذهب إليه من آراء.
وتتعدد المواقف والآراء من تلك الظاهرة، فيما إذا كانت المقدمة مهمة للكتاب أم لا، مع إجماع كبير على أن أهمية الكتاب تكمن بمحتواه وما يتضمنه من مضامين وأساليب في الطرح والمعالجة، فهناك من يرى أن المقدمة مهمة جداً للتعريف بالكتاب ومن خلالها يمكن للقارئ تكوين فكرة أولية للمحتوى الكلي للكتاب، كما تعد بوابة المعرفة الاولى للقارئ، والعتبة الاهم للدخول في فضاء الكتاب وما يتضمنه من معلومات.
ويذهب رأي آخر إلى فكرة أن يقدم العمل نفسه بنفسه بما يحتويه ويترك الحكم النهائي للقارئ الذي أثبت أنه الناقد الأكثر محايدةوجدية وأن حكمه لا يخضع لمزاجية العلاقات الشخصية.
وتوضح وجهة نظر أخرى أن بعض الكتّاب المبتدئين يلجؤون عادة لمن هم أكثر شهرة منهم ليكتبوا لهم مقدمة لمنتجهم الأدبي سواء كان مجموعة شعرية أومجموعة قصصية أو رواية أو أي كتاب في أي موضوع من الموضوعات الأدبية، ظناً منه أنه بهذه المقدمة يمتلك منتجه جواز سفر وشرعية تسمح له بالانتقال إلى عالم المشاهير.
لكننا إذا توقفنا ند مقولة أن “أمانة الكلمة في مقدمات الكتب” كما جاء في مقال لأحد النقاد، فإنه وللأسف كثير مما يكتب من المقدمات للكتب التي انتشرت بكثرة هذه الأيام وتحديداً في الشعر لا يحمل أي أمانة بل يميل إلى الإسراف في الثناء، ويتحدث عن المؤلف أكثر مما يتحدث عن الكتاب، لذلك نجد حالنا أمام كثير من هذه الكتب نتشابه مع الشاب الذي طلب من الكاتب محمود السعدني أن يكتب له مقدمة لكتابه، فكثيراً ما نقرأ مقدمات لكتب تتعالى على مضمون الكتاب ولاتطيه حقه من القراءة التحليلية والنقدية فتأتي النتائج مشوهة ومسيئة للكتاب ومؤلفه.