أوكرانيا… لم تعد ساحة حرب بالوكالة
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
تعهدت قمة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ مؤخراً، بتقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، ويتمثل القراران في تدريب 12 ألف جندي أوكراني على أراضيه، إضافة إلى تخصيص تمويل جديد قدره 500 مليون يورو لإمداده بالأسلحة لمحاربة روسيا عن طريق ما يسمى “المرفق الأوروبي من أجل السلام”، وهو الصندوق الذي أنشئ خارج الميزانية الأوروبية لتقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا.
بالمصادقة على هذه المهمة، يكون الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة قد أصبح طرفاً علنياً في الحرب في أوكرانيا، وبحسب العديد من المراقبين يمكن للصراع في أوكرانيا أن يتحول بالفعل إلى حرب عالمية ثالثة، واليوم يبدو أن هذا التحذير قد تأكد من خلال التصعيد الدراماتيكي للمشاركة العسكرية من قبل حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أوكرانيا، حيث أعلن مجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي مؤخراً، عن إرسال بعثة المساعدة العسكرية الأوربية إلى أوكرانيا والتي ستشمل تدريب جنود أوكرانيين خلال العامين المقبلين، وستكون ألمانيا وبولندا مراكز تدريب رئيسية لأنها “بوابة الخروج وبوابة العودة للأوكرانيين”، بحسب مصدر أوروبي، الأمر الذي يشير إلى تخطيط طويل الأمد للحرب، و الرفض التام لأي نوع من الحلول الدبلوماسية.
بات واضحاً إن برنامج التدريب على مستوى الاتحاد الأوروبي ما هو إلا تبنياً رسمياً وشامل للبعثات التي تم الاضطلاع بها حتى الآن بشكل أكثر تكتماً على الصعيدين الوطني والثنائي، فقد كان لدى الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا مستشارين عسكريين في أوكرانيا منذ عام 2014، حيث تمثلت مهمتهم بتوجيه التشكيلات النازية الجديدة مثل “كتيبة آزوف”، كما تم تدريب القوات الأوكرانية في فرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال والدنمارك والنرويج والسويد وإستونيا ودول البلطيق الأخرى. لكن ما أعلنه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مؤخراً، هو مشاركة ممنهجة على مستوى الإتحاد الأوربي في الحرب في أوكرانيا ضد روسيا.
من الناحية القانونية، يجعل التدريب الرسمي للقوات لأغراض النشر والتدريب الاتحاد الأوروبي طرفاً علنياً في الحرب، وبذلك يكون الاتحاد الأوروبي قد انتقل للحرب العلنية بعد أن كان يقوم بهذا الدور في مرحلة مبكرة جداً عندما كان الأعضاء الأوروبيون في الناتو ينضمون إلى الولايات المتحدة في إغراق أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الفتاكة.
لقد حذرت روسيا مراراً وتكراراً من أن أسلحة الناتو المقدمة إلى أوكرانيا جعلت من المحور الذي تقوده الولايات المتحدة طرفاً في الحرب. وهكذا، لم يعد الصراع حرباً بالوكالة بل مواجهة كاملة.
يشهد كل أسبوع المزيد من تصريحات الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو حول إرسال المزيد من الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا، حيث تشير التقديرات إلى أنه تم تخصيص 42 مليار دولار ممثلة بالأسلحة لأوكرانيا، و 28 مليار دولار من الولايات المتحدة وحدها.
بدوره، وعد المستشار الألماني أولاف شولتز بإمدادات جديدة من مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع وأنظمة الدفاع الجوي وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة، كما تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتقديم المزيد من مدافع الهاوتزر والدفاعات الجوية والرادار والصواريخ.
يبدو أن قادة الاتحاد الأوروبي، وكذلك قادة الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، قد أصبحوا مجانين جنائياً، فقد جاء تصعيد الحرب في أوكرانيا ضد روسيا مؤخراً في الوقت الذي كانت فيه كتلة الناتو تجري مناورات حرب نووية في أوروبا تستهدف روسيا. ومع ذلك، زعمت القوى الغربية أن روسيا تستخدم “الابتزاز النووي” بينما كانت موسكو تحذر من أن الحرب التي انطلقت قد تؤدي إلى كارثة كونية.
في الحقيقة، يبدو أن التفكير المزدوج للولايات المتحدة وأتباعها الأوروبيين فاق كل الحدود، فقد تحدث الرئيس الأمريكي بايدن عن خطر “هرمجدون” النووية، كما ادعى قادة أوروبيين مثل شولتز وماكرون أنهم حذروا من مواجهة مباشرة مع روسيا. ومع ذلك، يواصل هؤلاء السياسيون الغربيون أنفسهم تأجيج نيران الحرب في أوكرانيا ليصل الوضع إلى أبعاد كارثية.
لم يقدم أي زعيم غربي حلاً دبلوماسياً لتسوية الحرب في أوكرانيا، أو معالجة القضايا الأمنية الإستراتيجية التي أثارت الصراع، فالفوضى السياسية والاقتصادية التي تجتاح بريطانيا، وإجبار رئيس الوزراء ليز تراس بعد ستة أسابيع فقط ترك منصبها في داونينغ ستريت ما هي إلا مؤشرات تعكس اعتلال اقتصادات الدول الغربية وإمكانية انهيارها السريع، حيث تمر الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بانهيار اقتصادي حقيقي بسبب أنظمتها الرأسمالية المفلسة.
توضح الأرقام مستويات غير مسبوقة من الفقر، والانهيار الاجتماعي خارجة عن المخططات، حيث تعم الاحتجاجات والإضرابات الصناعية ضد السياسات الداعية إلى الحرب وحالات الطوارئ المتعلقة بتكلفة المعيشة في جميع أنحاء المدن الأوروبية والأمريكية.
يُظهر واقع الحال، أن الانهيار الشامل كان جارياً منذ عقود، لكن السياسات الإمبريالية الخاطئة في محاولتها مواجهة روسيا والصين زادت من حدته. لذا فإن قطع الغاز الروسي عن أوروبا هو في نهاية المطاف طائرة كاميكازي بدون طيار أطلقتها النخب الأوروبية على شعوبها!.
في الواقع، الحرب في أوكرانيا هي مواجهة جيوسياسية مع روسيا لدعم النظام الغربي المحتضر الذي تقوده الولايات المتحدة، حيث تعتبر واشنطن القوة المهيمنة المفترضة التي تخدمها الدول الصناعية الأوروبية المتملقة.
في السابق، حرضت الدول الغربية على حربين عالميتين خلال القرن الماضي كوسيلة لإنقاذ الرأسمالية الغربية المفلسة، وقد نجحت تلك الحروب جزئياً في تجديد النظام. لكن، النظام الغربي اليوم يواجه مرة أخرى أزمة وجودية، حيث تسعى المؤسسات الحاكمة بيأس للبقاء وسط مخاوف من الاضطرابات الاجتماعية الثورية. لذا يمكن القول، أن هذا الوضع الصعب للغاية هو السبب في أن النخب السياسية الغربية تتخذ قرارات متهورة جنائياً وتخوض مجازفات بحرب كارثية .
يريد حكام الولايات المتحدة وأوروبا بدء حرب مع روسيا قبل أن يبدأ شعوبهم الحرب في الداخل، لذلك إن المتهمين في خلق هذا الوضع الخطير هم النخب الغربية، وأصحاب الشركات الكبرى، والنظام الرأسمالي المحتضر، وبالتالي لابد للمواطنين الغربيين محاسبتهم على سوء الادارة.