المشهد الخدمي بحلب … تحديد الأولويات وتنظيم الجهد
البعث الأسبوعية – معن الغادري
عقب انهيار مبنى الفردوس قبل حوالي شهرين والذي راح ضحيته / 13 / شخصاً من بينهم نساء وأطفال ورجل مسن، تسارعت خطوات واجراءات مجلس المدينة والجهات المعنية في الكشف عن المباني المخالفة والأكثر خطراً والمهددة بالسقوط في عدد من الأحياء والمناطق، وأزال عدداً منها بعد أن أخلى سكان هذه الأبنية، وكأنه – أي مجلس المدينة – كان ينتظر وقوع الفاجعة ليقوم بمهامه وواجباته تجاه هذا الملف المستعصي والذي حصد أرواح عشرات المواطنين في حوادث مشابهة خلال السنوات الماضية.
مسارات متعرجة …
المتتبع للواقع الخدمي منذ تطهير حلب من الإرهاب قبل حوالي ست سنوات وحتى الآن، يجد أن العمل الخدمي في حلب واجه الكثير من التحديات والصعوبات، فما أنجز حتى الآن – على أهميته – غير كافٍ للقول بأن مسارات العمل الخدمي كانت في الاتجاه الصحيح، لجهة دقة وجودة التنفيذ، وفق ما هو مخطط ومرسوم، إذ شهد العمل التنفيذي تعرجات كثيرة وانحرف عن مساره في كثير من الأحيان، ومرد ذلك اتباع سياسات الترقيع، على مبدأ -الرمد أحسن من العمى – وكبديل عن الحلول الجذرية والمستدامة، ما أحدث فجوة عميقة في الجانب التنفيذي، وزاد من تكاليف ونفقات العمل، والذي جاء مغايراً لما هو مرسوم على الورق، وعلى عكس ما أقرته الاجتماعات النوعية والتخصصية،سواء على المستوى الحكومي، أو على مستوى مجلسي المحافظة والمدينة.
تفرد بالقرار …
يرجع العديد من القائمين والمشرفين على العمل الخدمي، أسباب بطء العمل التنفيذي، وتعثره، وإطالة أمد المشاريع الجاري تنفيذها، إلى ضعف الإمكانات الفنية والمالية، وإلى النقص الحاصل في اليد العاملة، إلا أن هذه التبريرات لم تعد مقنعة، وهي تخالف تماماً خريطة العمل الناجحة في بعض المفاصل،على الرغم من التشابه الكبير في الامكانات، إلا أن الفارق بينهما ، هو حسن الادارة، والقدرة على التكيف مع الواقع ، وتوظيف الامكانات المتاحة والدعم الموجود في خدمة الصالح العام، وخلافاً لذلك يندرج في إطار غياب الشفافية والمصداقية، وعدم انتظام آليات العمل، ما يفسح المجال أكثر، للاستئثار والتفرد بالقرار في الكثير من الملفات الحساسة،والتي غالباً ما تكون مثار شك وجدل ولغط، لتشابكاتها القانونية والفنية والمالية، وبالتالي من المنطقي والطبيعي أن ينعكس ذلك سلباً على مؤشرات الإنجاز في مجمل المشاريع ذات الصبغة الحيوية والتنموية، والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، يبرز منها ما يبدو أكثر حاجة وإلحاحاً من غيره، مشروع المخطط التنظيمي الجديد لمدينة حلب، والذي يراوح في المكان ، بالرغم من كل ما قدمته الحكومة قبل حوالي 6 سنوات من دعم فني وتقني ومالي وصل في مرحلته الأولى إلى مبلغ 5 مليارات ليرة، يصاف إلى ذلك العديد المشاريع الخدمية المدرجة على لوائح مقررات مجلسي المحافظة والمدينة، خاصة بما يتعلق منها بمشروع تحسين وسط المدينة، وتحسين الشبكة الطرقية، وربط المدينة بالريف، وغيرها من الملفات ذات الأولوية، كملف مخالفات البناء التي نشطت خلال أيام سنوات الحرب الإرهابية، وبمباركة من المعنيين بالشأن الخدمي، ومن المديريات الخدمية المشرفة والمسؤولة خدمياً على هذه المناطق، ومنها ما خضع للتسوية – أي المخالفات – ومنها ما هو قائم حتى الآن دون أي معالجة، والذي نتج عنها فواجع إنسانية مؤلمة، آخرها كانت حادثة انهيار مبني حي الفردوس.
تغيير لخريطة العمل …
في السياق يؤكد الدكتور المهندس كميت عاصي الشيخ نائب رئيس المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حلب أن المرحلة الراهنة والمستقبلية على قدر كبير من الأهمية والحساسية، وبالتأكيد لن تكون كسابقاتها من المراحل والتي ربما شهدت ثباتاً وركوداً، لأسباب اقتصادية وتمويلية، ولا شك أن مسار العمل الخدمي في حلب يواجه الكثير من التحديات والصعوبات، وأن ما أنجز حتى الآن مهم ويؤسس لمرحلة أكثر نمواً وانتاجاً، وقد يكون الأمر يحتاج إلى مزيد من الجهود وإلى رؤى وأفكار تنسجم مع الواقع ومتطلباته واحتياجاته، وإلى بوصلة تحدد الأولويات والاتجاهات الصحيحة وفق خريطة عمل طموحة تتكامل فيها الجهود المبذولة بهدف إحداث فارق ملموس في آليات العمل والإنجاز على المديين القريب والبعيد، وبالتالي الانتقال إلى مرحلة البناء الاستراتيجي الحقيقي بصورة ممنهجة وعلمية، وهو ما سنعمل عليه بالتشاركية مع كافة الجهات المعنية وفي مقدمتها مجلس المدينة.
تفاؤل …
ويتابع الدكتور المهندس عاصي الشيخ هناك أعمال يومية منوطة بمجلسي المحافظة والمدينة، تتطلب متابعة مستمرة، لتحقيق أعلى درجات التواصل المباشر بين المسؤول والمواطن لتلبية متطلباته واحتياجاته الخدمية والمعيشية، خاصة ما يتعلق منها برصد حالة الأسواق وضبط الأسعار، وهناك أعمال لها بعد حيوي وتنموي واستراتيجي، وهو ما يجب التركيز عليه خلال هذه المرحلة الراهنة والمستقبلية، خاصة ما يتعلق بموضوع المخطط التنظيمي والتطوير العقاري وتحسين الشبكة الطرقية، وشبكة الصرف الصحي، وملف العشوائيات ووقف التعديات وحسم المخالفات وحماية المدينة القديمة من التعديات والتشوهات ومشاريع تحسين الوسط التجاري للمدينة وغيرها من المشاريع التنموية والزراعية والاقتصادية التي من شأنها أن تضع حلب على السكة الصحيحة، وكل ذلك يتطلب تعاونا وتنسيقا وجدية في العمل وقرارات مشتركة وملزمة تضع الجهات المعنية أمام مسؤولياتها.
ويرى المهندس عاصي الشيخ أن تنظيم الجهد ضمن نطاق العمل الجماعي والتشاركي، والاعتماد على الخبرات والكفاءات الفنية وفرق العمل المتخصصة، يؤدي إلى النجاح حكماً، وهو ما نسعى إليه، من خلال تكامل خريطة العمل، وبذل أقصى الجهود لإزالة كل المعيقات وإجراء مراجعة شفافة ومتأنية لمجمل الخطط الموضوعة والتدقيق بنوعيةالعمل وجودته وبالأسباب المباشرة وغير المباشرة وراء تباطؤ العمل والإنجاز، بالإضافة إلى ما يواجه العمل من صعوبات ومعوقات، وما يمكن اتخاذه لاحقا من إجراءات لتحسين الأداء الخدمي والبحث جدياً عن حلول ناجزة تتماهى مع ما هو مطلوب من تحديث وتطوير لآليات وتقنيات العمل، وبما يعيد لحلب ألقها وحضورها المميز ضمن لائحة المدن الأكثر تطوراً ونمواً وانتاجاً، وأعتقد والحديث، ما زال للدكتور المهندس عاصي الشيخ أن المرحلة القادمة، ستكون أكثر انتاجاً ونمواً على مختلف الصعد، بالنظر إلى حجم ما تلقاه حلب مدينة وريفاً من دعم كبير من قبل السيد الرئيس بشار الأسد، والذي وجه عقب زيارته الأخيرة إلى حلب، بتنفيذ مشاريع استراتيجية، سيكون لها وقعها الإيجابي على المشهد الخدمي والتنموي والمجتمعي وعلى نحو يحقق الاستقرار مستقبلاً.
ختاماً
حاولنا خلال هذا العرض السريع للواقع الخدمي بحلب، بعيداً عن الغوص في التفاصيل، النظر إلى الجزء الملآن من الكأس، على أمل أن تكون انطلاقة عمل مجلسي المحافظة والمدينة في دورتهما الانتخابية الجديدة موفقة وناجحة،تتوحد الجهود وأن توظف الإمكانات والطاقات المتاحة في مكانها وزمانها الصحيحين، إلا أن ذلك لا يعني أننا نتقصد تجاهل ما يجري من تجاوزات ومخالفات إدارية وفنية وقانونية، ومن محاولات شخصية لإبعاد قسري للخبرات والكفاءات وإقصائها عن دائرة العمل، حيث ستكون لنا متابعات قادمة للوقوف على حقيقة ما يجري في كواليس العمل الخدمي.. ولكن ما يمكن تأكيده هو أن العمل المؤسساتي بحلب قبل بدء الدورة الجديدة لمجالس الإدارة المحلية، ليس على ما يرام، ويدار بعقلية الرأي الأوحد والقرار المنفرد، وهو ما يخالف طبيعة عمل مجالس الإدارة المحلية والذي يؤكد على جماعية العمل والقرار، فهل ستغير المجالس المنتخبة قاعدة العمل، وتقوم بالمهام المنوطة بها، بعيداً عن شخصنة الأمور، وتهميش الكفاءات والخبرات.