قراءة لانتخابات الإدارة المحلية في اللاذقية.. تأثير المحسوبيات
اللاذقية – مروان حويجة:
لم تخلُ انتخابات المجالس المحلية في محافظة اللاذقية من حالات شابت المشهد العام لهذا الاستحقاق الذي يعوّل عليه، وهذا مفترض، في إفراز ممثلين فاعلين في مجالس تعيش حالة الناس وتحاكي المجتمع بكل مسؤولية وشفافية. وبالمقارنة بين مقدمات المشهد وخواتيمه، نجد التباين الواضح بينها، فعلى العكس من الحماس الكبير الذي بدا عليه الحال في مرحلة الترشيح أملاً بعملية انتخابية تحقّق تكافؤ الفرص كبداية لمرحلة جديدة أكثر توازناً من التجارب الانتخابية السابقة بما شهدته من ثغرات ومحسوبيات وأمراض اجتماعية، وبهذا الزخم المتوقع المأمول فقد ترشّح إلى الانتخابات في اللاذقية 3547 مرشحاً تنافسوا على 1315 مقعداً بينها 100 مقعد في مجلس المحافظة و125 في مجالس المدن و1090 في مجالس البلدان والبلديات.
وكان لافتاً ومريحاً دخول أسماء جديدة، منها شابة وأنثوية، إلى هذه الانتخابات. وقد شهدت عملية الانتخاب إقبالاً ملحوظاً وإن لم يكن لافتاً جراء الاعتقاد المسبق لدى البعض أنّها لن تحقق تكافؤ الفرص من جهة، ولاهتزاز ثقتهم بدور مجالس الإدارة لدورات سابقة متتالية لم تحمل الفاعلية الخدمية والتنموية المأمول منها والمعوّل عليها، وكانت محطة الاستئناس الحزبي هي الأخرى، في البدء، بارقة أمل أولية قبيل انطلاقتها، إلّا أنها جاءت مسبوقة بحملات دعاية مبالغ بها من المرشحين إلى درجة الإحراج الاجتماعي على قاعدة فرض أنفسهم جراء المنافسة الكبيرة بين المرشحين وضعف ثقافتهم الانتخابية، ولم تغب المحسوبيات والاعتبارات غير الموضوعية عن حالات في الاستئناس لدرجة أنه لم يرتقِ إلى ما يطمح إليه الرفاق المستأنسون، وهذا ما أدى إلى زعزعة ثقة عدد لابأس به من الرفاق المرشحين بهذا الاستئناس الذي لم يلقَ الارتياح المأمول والمنشود لأن الاعتبارات الضيّقة أثّرت فيه وألقت بظلالها عليه وبوضوح، حتى أننا كنا نسمع من بعض الرفاق والرفيقات أن التعيين أفضل وأجدى في ظل المشهد المعقّد الذي يسود الاستئناس، ولولا أنه لم يتم إلزام الناخبين بالعنصر الشبابي لكان هناك كلام آخر عن تمثيل الشباب.
وبرغم كل تفاصيل مشهد الانتخاب والاستئناس الآنفة الذكر إلّا أنّ قوائم الوحدة الوطنية كانت موضع التزام من الرفاق البعثيين حبّاً منهم للحزب والانتماء إليه، مع أن المشهد لم يخل من بعض حالات خلل ناجمة عن تحفّظ البعض وتمسّك غير المدرجين في القائمة بأحقيتهم في عضوية القائمة، وهنا لا بدّ من تسجيل المهارة التي تمّ اعتمادها في شمولية القائمة للاختصاصات والفئات العمرية والمجتمعية والتمثيلية حفاظاً على الثقة والأصوات، وإن كان هناك خيارات مماثلة مشابهة بنفس المعايير، وبالفعل وقد فازت قائمة الوحدة الوطنية بأعلى الأصوات في انتخابات مجلس المحافظة.
ولعلّ التنافس كان على أشده في انتخاب المكتب التنفيذي لمجلس محافظة اللاذقية من جهة المستقلين، وما شهدته الأجواء الانتخابية من حالات انفعالية للفوز بالمقعد التنفيذي المستقل وهواجس المرشحين من أية توجيهات حزبية تؤثر على حظوظ المستقلين فيما بينهم.
وإذا ما تعمّقنا في المشهد العام لانتخابات المجالس المحلية، ندرك أن المؤسسة الحزبية هي المحرّك المحوري لهذه الانتخابات وتكثيف الإقبال عليها من خلال الجهاز الحزبي،حتى أن المستقلين أنفسهم يكادون لا يفصلون فرصتهم الانتخابية عن بوصلة الحراك الحزبي، وليس أدلّ على محورية دور المؤسسة الحزبية في مجمل مفاصل وتفاصيل انتخابات الإدارة المحلية إلا التصاقه اليومي بالنشاط الحزبي الانتخابي وملازمته له قرباً أو بعداً ليتمكن من تحديد موقعه الانتخابي ومؤشرات حظوظه، وهذا ربما يعود للدور المفصلي الذي تتفرد به المؤسسة الحزبية بالمقارنة مع المؤسسات الحكومية التي تشغل الإجراءات واللوجستيات المطلوبة جلّ اهتمامها، مع أن الأمر لا يخلو من دور لهذه الإدارة أو تلك في دعم مرشح ما مع أن تأثيرها محدود في هذا المجال.
في مقابل ذلك، فإن انتخابات المستقلين في مختلف المجالس المحلية أثبتت دور وتأثير العلاقات الشخصية والانتماءات والوجاهات الاجتماعية ودور رأس المال، ولا يمكن أبداً تجاهل سمعة وفاعلية وكفاءة المرشح نفسه وما لديه من رصيد اجتماعي ومهني وثقافي. ولأنّ النتائج والخواتيم مرتبطة بالمقدمات، فإن رهان الناس على دور مؤسسات الإدارة المحلية لايزال رهاناً محدوداً بسبب فقدان الأمل بقدرة وفاعلية هذه المجالس في تغيير الواقع وملامسته بالشكل المطلوب، وهذا ما أفرزته وأظهرته تجارب الماضي وغياب عضو المجلس المحلي عن هموم الناس واحتياجاتهم، إضافة إلى الاعتقاد السائد لدى البعض أن المصلحة العامة ليست أولوية،كما أن صوتهم غير مؤثر في دائرة صنع القرار وخدمة المجتمع، وتتشكل لديهم قناعة – لا يناقشون فيها – بأنّ الجدير والكفوء والقريب من الناس يندر وجودهم في هذه المجالس، وإن كانوا موجودين فهم قلّة قليلة غير قادرة على أداء الواجب بما يلبّي الاحتياجات والطموحات.