مزارعو الحمضيات يسألون عن البدائل بعد الحسم الحكومي بعدم جدوى إنشاء معمل لتصنيع العصائر؟!
مروان حويجة
أصيب مزارعو الحمضيات في اللاذقية بالإحباط بعد أن جاء الحسم الحكومي الواضح والصريح بشأن عدم جدوى إنشاء مشروع معمل تصنيع العصائر الطبيعية المطروح والمتداول منذ سنوات طويلة، كأحد أهم الحلول المقترحة لمعالجة مشكلة فائض محصول الحمضيات، وبات الأمر مؤكداً أنّ مثل هذا المشروع غير مدرج نهائياً في الخطة التسويقية الحكومية، وفق ما تمّ الإفصاح عن ذلك جليّاً خلال زيارة الوفد الحكومي مؤخراً إلى محافظة اللاذقية، وتبرير عدم الجدوى بوجود عدة معامل ووحدات في القطاع الخاص لتصنيع العصائر، وأنّه لا فرق بين القطاعين العام والخاص، لأنّ التشاركية مطلوبة بين مختلف القطاعات على قاعدة تكاملية بينها، والمهمّ – حسب التأكيد الحكومي – أنّ الخطوط التصنيعية قائمة وموجودة وتلقى كل الدعم والتسهيلات عند استجرارها للمحصول، وأنّها تكفي من حيث العدد والطاقة الإنتاجية والتصنيعية، ولكن ماذا إذا ما علمنا أنّ المعمل الخاص لن يستجرّ إلّا الكميات ذات المواصفات العالية الجودة التي تضمن له أفضل مردود، وبالسعر الذي يناسبه، دون أي اعتبار للتكاليف والأعباء الإنتاجية التي يتكبّدها المزارع، ناهيك عن أجور الشحن المرتفعة جداً، وذلك بخلاف تسهيلات القطاع العام الذي يأخذ بعين الاهتمام كلّ هذه الاعتبارات، بما فيها الظروف الجوية وعدم كفاية الري والسماد وانعكاس ذلك على النوعية في موسم وآخر؟.
هواجس تسويقية
وعلى الرغم من كلّ ما يتمّ تداوله في أروقة الاجتماعات واللقاءات ووسائل الإعلام عن معامل تصنيع عصائر الحمضيات، لكن هواجس التسويق تطلّ دائماً برأسها كمشكلة مزمنة، عدا عن صعوبات أخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر أفاد عدد من مزارعي عين البيضا أن أشجارهم تأثرت خلال الصيف بسبب نقص مياه الري بشكل حادّ جراء توقف الري من مشروع نفق عين البيضا الذي تمّ إجراء الصيانة الطويلة له، وبالتالي فقد أثر هذا النقص على الإنتاج كماً ونوعاً، ورغم الشكاوى التي تقدموا بها للجهات المعنية لكن لم تكن البدائل التي تمّ اعتمادها كافية ومناسبة، في حين أوضح عدد آخر من المزارعين أنّ الثغرة الكبيرة في العملية التسويقية تكمن في عدم تحديد تسعيرة حكومية للأصناف والجودة والنوعية وتعميمها على مدار الموسم، وهذا الإجراء -برأيهم- ضروري وبالغ الأهمية، ولاسيما للمزارع المنتج للمحصول، فعندما تكون هناك تسعيرة مدروسة ومحسوبة التكاليف ومعمّمة يتمّ قطع الطريق على السماسرة والتجّار، بل اعتبر البعض أنها مفيدة إلى حدّ ما للاسترشاد بها عند ضمان البساتين، ولاسيما إذا كانت هناك تسعيرة مبكرة تسبق نضج الموسم، لأن التكاليف الإنتاجية معروفة، وكذلك تقديرات الإنتاج أيضاً، ومحسوبة من الزراعة والتجارة الداخلية، وبذلك يمكن إصدار أسعار استرشادية يتنوّر ويستأنس بها المزارع قبل طرح بستانه للضمان.
مردود يوازي التعب
أحد المزارعين أكّد أنّ ما يهمّ المزارع الذي يشقى طوال الموسم أن يُصرّف محصوله بسعر يغطي التكلفة ويمنحه مردوداً يوازي تعبه وأعباءه الإنتاجية والمادية، مبيّناً أن السوق المحلية لا تحلّ مشكلة السعر والفائض، وأنّ الحلّ الأنسب والأجدى يكمن في مساري التصدير أولاً والتصنيع ثانياً، شريطة ألّا يكون هناك درجات ومستويات في تصنيف الجودة والنوعية واحتساب السعر على هذا الأساس، لأن هناك ظروفاً خارجة عن إمكانية المزارع الذي يحرص دوماً على تحسين إنتاجه، وهذا مرهون بعوامل كثيرة، منها الظروف الجوية وتوفر المستلزمات الإنتاجية الزراعية في وقتها وقدرته على شرائها وتأمينها. ويأمل المزارعون أن تحمل الإجراءات الحكومية المتتابعة معالجة نهائية لقضايا ومستلزمات هذا المحصول وإنتاجه، وتوفير احتياجاته والتخفيف من الأعباء عنهم، ولاسيما المواد الضرورية للعملية الزراعية والعبوات والنقل والشحن وتأمين منافذ تصديرية.
لا تصنيع ولا تسويق
رئيسُ اتحاد فلاحي محافظة اللاذقية أديب محفوض أوضح أن معمل تصنيع العصائر مطلب قديم يتجدّد طرحه دائماً في اللقاءات مع المعنيين، وبرأي محفوض لن تكون هناك معالجة للفائض لا بالتصنيع ولا بالتسويق المحلي، وإنما بفتح أسواق خارجية، مؤكداً أنه مطلب دائم للاتحاد بهدف إنصاف المزارعين، مشيراً إلى أن كيلو الحمضيات يكلّف المزارع من ٧٠٠ إلى ٨٠٠ ليرة، ويبيعه في أحسن الأحوال بسعر قريب من سعر التكلفة أي دون هامش ربح يذكر، وهكذا يذهب جهده وتعبه دون اعتبار. وأكد محفوض أن انفراج مشكلة تسويق الحمضيات تكون بالتصدير الذي هو المطلب الأساسي للاتحاد في كلّ لقاء واجتماع وفي كلّ مراسلة وكتاب ومذكرة، وأوضح رئيس الاتحاد أن فتح التصدير سينعكس مردوده على المزارع والتاجر والناقل وغيرهم وستكون الأسعار مجزية، أما التعويل على تصنيع الحمضيات فهذا لن يكون الحلّ النهائي المنشود لحلّ مشكلة فائض الحمضيات، رغم أن إنتاج هذا الموسم يصل إلى نحو ٥٥٠ ألف طن، أي أقل من الموسم السابق، إلّا أنّ هناك فائضاً كبيراً عن حاجة السوق المحلية، وعلى الجهات المعنية البحث عن منافذ داخلية وخارجية، ولاسيما أن طاقة استجرار السورية للتجارة أيضاً لا تحلّ المشكلة، حيث استجرت الموسم الماضي نحو ٥ آلاف طن بشكل مباشر، في حين أن الطموح أكبر بكثير لاستجرار كميات مضاعفة.
استجرار كميات كبيرة
ولدى سؤال المهندس رامي كحيلة مدير الصناعة في محافظة اللاذقية عن مساهمة منشآت القطاع الخاص الصناعي في استجرار كميات من الحمضيات، أوضح أنّه يوجد في محافظة اللاذقية عدد من وحدات ومعامل تصنيع العصائر وعدد من الشمّاعات ومراكز التوضيب، بما يسهم في تصريف جزء من الإنتاج، ولفت إلى أنّ هذه المنشآت لديها احتياجات عملها وتشغيلها وصعوباتها وهي جاهزة لتستجر كميات أكبر بتوفير الدعم التشغيلي المستمر لها. كما لفت إلى أنّه يوجد في المحافظة منشآت تتوزع على عدة أشكال وأنواع منها ١١ منشأة مرخّصة تعمل بشكل طبيعي وفق برنامج الاعتمادية، وهي حاصلة على الاعتمادية التي تتحقق فيها الجودة والمواصفة، ومعدّل طاقة استجرار المنشأة الواحدة نحو ٤ آلاف طن وهناك منشآت ٥ آلاف طن ومنشآت ٦ آلاف طن، إضافة إلى منشآت صناعية قائمة مرخّصة وغير حاصلة على الاعتمادية وتعتمد على الحمضيات المحلية ويتراوح إنتاجها مابين ٣ آلاف و٤ آلاف طن، وهناك ٤ منشآت لتصنيع العصائر منها منشأتان موضوعتان في التشغيل والإنتاج.
وأكّد كحيلة أنّ التصنيع يشكّل أحد أهم قنوات تصريف الفائض، وهذا ما يجري العمل على دعمه من خلال المتابعة المستمرة للسبل الكفيلة بدعم التصنيع الزراعي وتذليل أية صعوبة تعترض هذه المنشآت وكل ما يمكن دفع عجلة التصنيع، وهناك تتبع دائم لكلّ هذه الاحتياجات على مستوى المحافظة والوزارة وكلّ الجهات المعنية.
كلام الوزارة..!
من يطّلع على خطة وزارة الزراعة حول أولوياتها بشأن دعم إنتاج وتسويق محصول الحمضيات يجد أن أهم محاورها: اعتماد تكاليف الحمضيات بمختلف أنواعها وإرسالها إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لاعتماد الأسعار الاسترشادية لها، والاستمرار في تطبيق برنامج الاعتمادية بمكوناته الثلاثة وفق ما تمّ إقراره في اللجنة الاقتصادية وبالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والجهات الأخرى المعنية، وإعداد خارطة فنية لتوزيع أصناف الحمضيات جغرافياً وبيئياً، ووضع تصور مستقبلي لآلية توزيعها بما ينعكس إيجاباً على حجم الكميات المتوفرة وتوزعها التدريجي خلال فترة النضج، وتتبّع عملية القطاف والتسويق من خلال اللجان الزراعية الفرعية برئاسة السادة المحافظين.