أحنّ إليك وأشتاقك!!
سلوى عباس
صباحك ندى يا أمي كقطرات هذا الحزن المتساقط على نافذة عمري.. صباحك ياسمين يتفتح من ندى روحك، ولأن للروح عالمها الذي تهيم فيه كان هذا التوق لصوتك، لكلماتك.. أذهبُ للنوم باكراً والقلق يلوّن عينيّ، ففي هذا اليوم مرت ثماني عشرة سنة على غيابك.. في هذا اليوم أنفرد معك وأبثك اشتياقي الذي رغم السنوات التي مرّت ما زال ينمو ويتكاثف في حنايا قلبي ويزداد كل يوم وكل لحظة، خليطاً من مشاعر متداخلة ومعقدة، تبدو رمادية غائمة كيوم شتويّ جاف ضاعت فيه الظلال، يقتلني فيه البعد، وتحيّرني روحي المبعثرة في كل الاتجاهات، فخيالي لم يعد يكفيني، ولا ما اختزنت من ذكريات.. سنوات مديدة مرّت دون أن أنعم بدفء يديك الذي يضمّني في رقتهما ويعيد لي سماواتي الهاربة..
في المدرسة علّمونا أن الأم مدرسة وأنت كنت أبجديتي الأولى في الحياة، وفجيعتي الأولى في الموت، فمنذ رحيلك والوقت يحاصرني، أختنقُ برجع الوجد وذكريات أرهقها الحنين، ومنذ غيابك وكل الأيام وكل المناسبات تأتي معتمرة قبعة الأسى دون أنشودة الصباح ولا زغرودة الحب، دون بريق اللهفة وصدى صوتك يتردّد في أذني عندما أطرق الباب وأنت تخبري أخوتي بقدومي.. مرة أخرى تحلّ ذكراك وأنت بعيدة عني، يؤرقني اشتياقي أن أحكي لك بوحي وتداعياتي.
لازلت يا أمي أشعر بالأسف على صرختي الأولى التي ندّت عنها شفتاي عندما لامس ضوء الشمس جفوني في لحظاتي الأولى، وأنا التي جاهدت كثيراً للبقاء في رحمك الدافئ الذي يغسل عني البرد والوحشة، لكن لم يكن من مهرب من الخروج للحياة، فهذه الصرخة التي لازال صداها يتردّد في روحي، ربما كانت ابتهاجاً برؤية ملامحك، واستنشاق عبيرك الذي تعشّق مسامي، ولازال يشاركني أحلامي، حيث أورقت في قلبي ربوة من ياسمين عبقت الدنيا وجمّلتها، وحتى الآن لا أنسى صوت أنفاسك التي أنضجت أزاهيري، وابتسامتك الأولى التي أشرقت في روحي أنت التي في حضنها رميتُ قلبي، تهدهدينه كطفل بكى طويلاً قبل أن يهدّه الدمع ويغفو، فكلما شغلت نفسي عن تذكرك أعادني حنيني إلى الولوج في طيفك المحبّب وأنا أستحضر أنينك المرتعش من خفقات الهواء، وألّم من موجات الأثير شهقة خافتة ندّت بها شفتاك في لحظة وداع موجعة أطبقت الكون على روحي وحفرت ندوبها في وجداني، ولم تجد صرختي حينها في استعادة الألق لقلبك الذي أطفأ سراجه وترك برد الغياب ينثر رماده على روابي الروح.
في هذا اليوم يا وردة روحي أفتح نافذة قلبي المفضية إليك، وأرسل في سمائك الآمنة المطمئنة حمامة من شوق وحنين، أحمّلها وجدياتي وأطلقها في جناح من صفاء الروح وسجى اللوعة، تبتعد في فضائك الوسيع لعلها تخبرك كم أحتاجك وأحنّ إليك وأتلهف لرؤياك، وأحلم بقلبك يحتضنني وأن أغسل وجهي برائحة ياسمينك وهو يتعمّد على صفحات راحتيك..
أمي.. أيتها الغالية.. يا من زرعت في روحي قيم الحب والنبل والوفاء.. في هذا اليوم ينحني قلبي أمام جلال وجهك فأضيء شمعة حب لروحك وأطلب لك الرحمة في مستقرك الرحيم، وستبقين مهما طال البعد ينبوع الحنان والحب الصادق الذي يهدي لي طريقي ويحميني في تعبي وعثراتي.