دراساتصحيفة البعث

أوروبا مهددة بعجز تجاري قياسي

هيفاء علي

على مدى عقود، كان لأوروبا، الكتلة الاقتصادية الأكبر في العالم، ميزان تجاري إيجابي، ولكن في أعقاب الصراع في أوكرانيا، وأزمة الطاقة التي تلت ذلك، وجدت القارة نفسها تواجه عجزاً خارجياً غير مسبوق منذ التحوّل إلى اليورو. لم يكن ميزان الطاقة في أوروبا وحده هو الذي دخل في الاتجاه السلبي، بل إن الميزان التجاري في التصنيع قد انخفض إلى النصف تقريباً.

يواصل القادة الأوروبيون تكديس احتياطيات الغاز والنفط بشكل نشط في محاولة للتعويض عن الإمدادات القادمة من روسيا، وهنا يتساءل الخبراء ما إذا كانت أوروبا قادرة على التعافي، وما إذا كانت ستجد نفسها محرومة من الصناعة؟ كما يطرحون السؤال التالي: ألا يؤثر العجز الخارجي المزمن على منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، حيث إنه هزّ الولايات المتحدة منذ فترة طويلة وزعزع استقرار المملكة المتحدة مؤخراً؟.

وفقاً للمعلومات الأخيرة الصادرة عن اللجنة الأوروبية، بلغ العجز التجاري لمنطقة اليورو مع بقية العالم 50.9 مليار يورو في شهر آب الماضي، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق. ومن باب المقارنة، فقد لوحظ ربح قدره 2.8 مليار يورو قبل عام فقط، بينما زاد العجز التجاري للاتحاد الأوروبي بأكمله إلى 64.7 مليار يورو. وفي السياق ذاته، بلغ الحساب الجاري لمنطقة اليورو، أي ميزان جميع التجارة في السلع والخدمات، بما في ذلك التحويلات 26.32 مليار يورو في آب، ويرجع ذلك أساساً إلى العجز التجاري، وفق ما أفاد البنك المركزي الأوروبي، والذي ترجع أسبابه إلى حدّ كبير إلى ارتفاع أسعار الهيدروكربون، التي وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 350 يورو/ ميغاوات ساعة في شهر آب.

منذ ذلك الحين، انخفضت الأسعار إلى 150 يورو/ ميغاواط في الساعة، ولكن لا يزال أعلى بعدة مرات من سعر العام السابق، بحسب أحد الخبراء الذي أضاف أن الأسواق ابتعدت عن النظر إلى أزمة الطاقة على أنها شيء مؤقت من خلال إدراك اتجاه طويل الأجل، على الرغم من انخفاض شدّتها في آب، مشيراً إلى تراجع التجارة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، مشدداً على أن الارتفاع الحاد في أسعار المواد الهيدروكربونية جعل واردات أوروبا من روسيا أغلى بكثير، حيث انخفضت كميتها، بينما انخفضت صادراتها بشكل كبير بسبب العقوبات وضوابط التصدير، حيث تصبح الواردات أكثر تكلفة في حالة وجود ميزان تجاري سلبي، وبالتالي تضعف العملة.. إذاً ماذا يعد هذا لليورو؟.

إن الميزان التجاري السلبي أو العجز في ميزان العمليات الجارية، يعملان على تقليص بورصة تقلب العملات المرتبطة بقانون العرض والطلب التجاري، بمعنى أن انخفاض العرض على الصادرات بالنسبة لدولة ما يقلّص العرض على عملتها، ويضعف بورصتها قياساً إلى الدول الأخرى. وعلى العكس من ذلك، فإن الطلب الأجنبي القوي على السلع يقوي العملة.

وبحسب رئيسة العلاقات الدولية في “بيزنس يوروب”، وبالنظر إلى ارتفاع أسعار المحروقات، فإن هذا ليس مفاجئاً للغاية، لكنه مدعاة للقلق، داعيةً الاتحاد الأوروبي إلى خفض أسعار الهيدروكربونات وزيادة الصادرات، وتوقيع اتفاقيات تجارية جديدة من شأنها أن تفتح فرصاً جديدة في السوق.