قمّة الجزائر وقمم سورية
أحمد حسن
عام 2008، كانت دمشق تتحضّر لاستضافة القمّة العربية الدورية. حينها، وبصورة غير مسبوقة، ألقى المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية، شون ماكورماك، درساً على الدول العربية في “الطريقة المثلى” لاتخاذ قرار المشاركة في القمة، داعياً إلى “التروّي” قبل الحضور والمشاركة؛ وكالعادة فإن بعضها قد “تروّى” فعلاً فغاب، وبعضها الآخر اكتفى من “تروّيه” بخفض مستوى تمثيله، لكن القمّة كانت باعتراف الجميع ناجحة، وأضيفت، باعتراف الجميع أيضاً، وإن على مضض من بعضهم، إلى “القمم” العربية التي حملت اسم قمّة سورية.
في عام 2012، ولأن الرهانات كانت قد وصلت إلى درجة عالية جداً، على خلفية ما يسمّى “الربيع العربي”، فإن الأمر الأمريكي كان لا يحتمل الاكتفاء بنصيحة “التروّي”، فلا بدّ من الحسم وضرورة استبعاد سورية بالكامل، وكان ذلك في الحقيقة انتقالاً من معادلة “الإركاع والاستتباع” إلى معادلة الهدم الكامل، ولو بالإرهاب، وكان بعض من “تروّى” سابقاً جاهزاً لتنفيذ أي أمر يصدر إليه، وجاهزاً أيضاً لتهديد من يمانع في التنفيذ. وقد شهدت كواليس القمة حينها تطاولاً فجّاً من بعض الأدوات الأمريكية، التابعة، على دول عربية محدّدة كي يمرّ “الأمر”، وهذا ما حصل، ليسجّل العرب على أنفسهم سقطة جديدة، ليس بحق دولة مؤسسة للجامعة فقط، بل بحق فكرة العروبة ذاتها.
ولأن الرهان الأمريكي ما زال، في عامنا هذا، مطروحاً على الطاولة، رغم اعتراف الجميع بصعوبة تحقيقه بعد كل هذه السنوات الكاشفة، فإن واشنطن، وكعادتها، عادت لتقوم بدور “الوسواس الخناس”، ولكن هذه المرة عبر دفع أتباعها للتهديد بنسف قمّة الجزائر في حال مشاركة سورية بها.
بيد أن سورية، وهي إحدى الدول المؤسسة للجامعة، والتي لم تكن يوماً إلا عضواً فاعلاً وجامعاً فيها، سواء بمشاركتها الرئيسية في كل قرار يُتّخذ تعديلاً وتصويباً وإقراراً، أو بعملها الدؤوب على احتواء كل تباين عربي – عربي في سبيل تحقيق الحد الأدنى من الاتفاق، وذلك ما ضربت به مؤخراً المثل الأعلى متسامية فوق كل جراحها و”حقوقها” لإنجاح قمّة الجزائر الحالية حين طلبت على لسان وزير خارجيتها من الجزائر الشقيقة “عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمّة الجزائر، وذلك حرصاً منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحدّيات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي”، كما أعلن الوزير الجزائري حينها.
لذلك فإن الجميع، مشاركين ومراقبين، يعرفون أنها، كالعادة، قمّة سورية التي كانت الحاضر الأبرز خلال فترة التحضير الطويلة خلف الكواليس كما في الواجهة، فبكل بساطة لا عروبة دون سورية، لذلك لا قمّة حقيقية دونها، ولأن أحداً لا يستطيع تجاهلها، ولا القفز فوق دورها ومكانتها، ولا السيطرة عليهما، كما أمل الأول وحلم الثاني، فإن بلاغة الصمت السوري التي تبدو مدوّية في قاعات القمّة أكثر من “ثرثرة” البعض، هي من سيعمد المحللون إلى فكّ شيفرتها، كما ستتجه الأنظار، من المشاركين والمراقبين، نحو المقعد الفارغ/الممتلئ في الآن ذاته، أكثر ممّا ستتجه نحو مقاعد بعض الحاضرين/الغائبين فعلياً.
بيد أن ذلك كله تضعه سورية اليوم خلف ظهرها، فلأنها دمشق، ولأنها تقرأ جيداً في كتاب العروبة، الذي كتبت فعلياً أول ومعظم فصوله، فهي اليوم تنتظر وتأمل أن تنجح الجزائر و”قمّتها” في تحقيق خطوة عربية ما للأمام، لأن الجزائر تستحقّ، ولأن التحدّيات القادمة أصعب وأقسى على العرب والعروبة ممّا سبق، وتلك هي دمشق وذلك هو قدرها.. لكنه خيارها أيضاً.