استطلاعات التجديد النصفي.. “لا ثقة بعد الآن”
عناية ناصر
تصوّر الولايات المتحدة نفسها دائماً على أنها المدافع الوحيد عن الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، لكن من المفارقات أنه مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية، تشير نتائج العديد من استطلاعات الرأي إلى أن أعداداً كبيرة من الأمريكيين مهتمون بدقة الانتخابات النصفية، ومصير الديمقراطية على النمط الأمريكي، وذلك من حيث الجوهر، لأن الديمقراطية على النمط الأمريكي تبتعد عن هدفها الأصلي وأصبحت لعبة سياسية.
ووفقاً لاستطلاع جديد أجراه “مركز بحوث الشؤون العامة لوكالة أسوشيتد برس”، فإن نحو نصف الأمريكيين لديهم ثقة عالية في أن أصوات انتخابات التجديد النصفي المقبلة سيتمّ حسابها بدقة، ويعتقد 9 بالمائة فقط من الأمريكيين أن الديمقراطية تعمل بشكل جيد، أو بشكل “جيد جداً”، بينما يقول 52 بالمائة إنها لا تعمل بشكل جيد. كما أشارت نتائج استطلاع أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” بالاشتراك مع “جامعة سيينا” إلى أن 28 بالمائة من جميع الناخبين قالوا إنهم لا يؤمنون كثيراً أو لا يثقون في دقة انتخابات التجديد النصفي لهذا العام.
وفي الاستطلاع الذي أجرته جامعة “كوينيبياك” مؤخراً يعتقد 69 بالمائة من الديمقراطيين، و69 بالمائة من الجمهوريين أن ديمقراطية البلاد على شفا الانهيار. وفي هذا الإطار، يبدو أنه من العوامل الحاسمة لفقدان الأمريكيين الثقة في الانتخابات النصفية، وكذلك في الديمقراطية على النمط الأمريكي اكتشافهم أنه أياً كان من كانوا يصوّتون له، لا يمكنهم أن ينتخبوا حلالاً لمشكلاتهم، لأن ما يهتمّ به السياسيون الأنانيون هو فقط السعي وراء حقوقهم ومصالحهم، ويخدمون فقط أحزابهم السياسية ومجموعات المصالح، بدلاً من السعي لمعالجة القضايا التي يهتمّ بها الناخبون، ولذلك يرى العديد من الأمريكيين أن التصويت عديم الجدوى ولا طائل منه.
تعاني الديمقراطية على النمط الأمريكي اليوم من اعتلال، فقد أدرك عدد متزايد من الأمريكيين بوضوح أنهم بنظر السياسيين الأمريكيين مجرد مجموعة من أدوات التصويت، حيث يميل هؤلاء السياسيون خلال الحملات الانتخابية، إلى تقديم العديد من الوعود الخلابة في محاولة لكسب المزيد من الدعم، ولكن في أعقاب الانتخابات، تتحوّل غالبية هذه الوعود إلى مجرد لغو لأنهم سيضعون ما قالوه للناخبين وراءهم!.
بمعنى أن الانتخابات هي مجرد لعبة سياسية للأثرياء، كما أن عدم ثقة الرأي العام الأمريكي بالديمقراطية هو نتيجة للانحلال السياسي للولايات المتحدة، وفي قلب هذا الانحلال السياسي، يكمن غياب قدرة الحكومة، الذي يتسم بعدم وجود حلول للقضايا الملحة التي تهمّ العام الأمريكي، مثل التنمية الاقتصادية، والعنصرية، والعنف باستخدام الأسلحة النارية، والوقاية من الأوبئة والسيطرة عليها كوباء كوفيد-19.
عندما كان الاقتصاد الأمريكي في حالة ازدهار، كان لخطاب السياسيين وممارساتهم في إخفاء عيوب نظامهم السياسي المحلي خداع الرأي العام الأمريكي. ولكن اليوم، عندما تمّ الكشف عن المزيد من المشكلات في الولايات المتحدة، مثل وباء كوفيد-19 الخارج عن السيطرة، والذي أدى إلى وفاة أكثر من 1.06 مليون، ووصول التضخم إلى أعلى معدل له منذ عام 1982، فإن ثغرات النظام السياسي الأمريكي لا يمكن إخفاؤها أو إنكارها أبداً.
إضافة إلى ذلك، بدأ العديد من الأمريكيين، من خلال مواجهة صعود الصين والانحدار النسبي للولايات المتحدة، الشك فيما إذا كان نظامهم مثالياً كما يدّعي سياسيوهم. علاوة على ذلك، تنتشر ظاهرة ترامب الآن في جميع أنحاء البلاد، وبدأ بعض السياسيين الأمريكيين في التلاعب بالشعبوية الأمريكية، الأمر الذي يجعل النظام الديمقراطي الأمريكي يواجه تحديات غير مسبوقة، إذ لا يزال بعض السياسيين الأمريكيين يصرّون على أن النظام السياسي الأمريكي هو “الأفضل في العالم”، ولديه القدرة على التصحيح الذاتي والتكيّف. لكن ينبغي الإشارة إلى أنه عندما وجدت استطلاعات الرأي أن ثقة الأمريكيين في التصويت قد تراجعت، يبدو أنه لا توجد شخصية سياسية أو قوة سياسية في الولايات المتحدة تعمل على الشروع في معالجة هذه المشكلة.