الانتخابات النصفية.. هل ستسرّع عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض؟
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد:
في جوّ من احتدام المنافسات السياسية لدى الناخبين الأمريكيين لانتخاب 35 سيناتوراً في مجلس الشيوخ، و435 نائباً، ونحو ثلثي حكام الولايات الخمسين الأمريكية، تجري على جبهةٍ أخرى معركة ساخنة للبقاء في السلطة السياسية بين الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، ومنافسه الأساسي الحالم بالعودة إلى الرئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي يردّد دائماً عبارة “أنّ الانتخابات سُرقت منه”.. و” سأعود للانتقام”، فانتخابات “التجديد النصفي في الكونغرس” تحمل في طيّاتها استفتاءً على بقاء وشرعية الرئيس الحالي والرضا عن سياساته من الناخبين، وفي رسم الفترة المتبقية من ولايته، وتحديد من سيسيطر على الكونغرس، الذي بالمحصلة سيكون صانع القرار وصانع الشخصيات والمحدّد لمسار الانتخابات الرئاسية القادمة وإن كانت سترجح كفتها لترامب أو لحزبه.
بايدن يغوص الآن في بحر من المتغيّرات والانهيارات الاقتصادية، ويفوق التضخم في اقتصاد بلاده الـ10%، كما تضاعف ثمن البنزين مرّتين في عهده منذ عام 2020، ومعظم نقاط الوضع الداخلي لا تصبّ في مصلحته، حتى إنه لم يُعِرها اهتمامه حتى في خطاباته، رغم أنها تشكّل أولوية للمواطن الأمريكي على الملفات التي تبنّاها في ملفّ الإجهاض، أو في السياسة الخارجية، والحرب في أوكرانيا التي يعيرها الأخير أولويته حتى الآن، وقد وصل إلى حدّ المغالاة في منح شيك على بياض لمساعدة أوكرانيا رغم اعتراض الشارع الأمريكي على ذلك، وكأنه يهدف إلى تنشيط صناعة وتجارة الأسلحة والترسانات على حساب كل شيء في بلاده، مع ملاحظة أن معظم النواب مجمعون على هذا الدعم ومن الحزبين، وكأنهم يقولون إنه “لا علاقة للمواطن بسياستنا الخارجية حتى لو أدّت إلى انهيار الوضع الداخلي”.
أما ترامب، فبعد خسارته للانتخابات السابقة يحاول تسليط الضوء على مكامن الخلل من خلال ادّعاء حصول تلاعب في نتائج الانتخابات السابقة، ويقوم بالتنقل بين الولايات وخاصةً تلك التي لا تميل إلى حزبه الجمهوري لإقناعها بمرشحي الحزب خلال الانتخابات النصفية على اعتبار أن فوزهم سيمهّد طريقه للعودة إلى البيت الأبيض، لكن مع ذلك يحاول دعم شخصيات تعاني من فضائح أو قلة في شعبيتها، ومن المرجّح عدم نجاحهم في الوصول إلى الكونغرس، وهو متمّسك بهم لمجرّد تأييدهم ادّعاءاته بالتلاعب في الانتخابات الرئاسية الماضية، كما أنه أيضاً يعاني من فضائح، كفضيحة إخفاء وثائق سرّية للبيت الأبيض في منزله، واحتمال تورّطه في تأليب مناصريه على مهاجمة الكونغرس أثناء خسارته للانتخابات واحتمالية ضلوعه في ذلك.
صحيفة “رويترز” قالت في إحدى مقالاتها: إنّ بايدن ومساعديه، قلقون من احتمال هزيمة الديمقراطيين، فمع استمرار ارتفاع التضخم، تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أنهم قد يخسرون مجلس الشيوخ، والأكثر ترجيحاً هو انتصار الجمهوريين في مجلس النواب، وهذا من شأنه إضفاء تعقيد كبير لوضع بايدن على مدار العامين المتبقيين من ولايته، وستزداد فرص الجمهوريين لعرقلة اعتماد القوانين الرئيسية للإدارة الرئاسية في هذه الحالة بشكل كبير.
إنّ الملف الأكثر إقلاقاً لبايدن الآن، يكمن في توجّه المعارضين له نحو بدء تحقيق في كيفية إنفاق الديمقراطيين للأموال العامة، وأموال المساعدات الأوكرانية، وعقد الصفقات، فضلاً عن الحياة الشخصية لابنه هانتر بايدن، علاوة على ذلك يأمل بعض الجمهوريين الراديكاليين في عزل بايدن، أو أعضاء حكومته، أو نائبته كامالا هاريس بعد الانتخابات مباشرةً، مؤكّدين أنّ عزل بايدن عن السلطة قبل انتهاء ولايته يشكل أولوية بالنسبة لهم على كل الملفات الداخلية، ويفصحون عن نيتهم في إطلاق التحقيقات لعزله بمجرد وصولهم للسلطة وسيطرتهم على الكونغرس، حتى إن عارض مجلس الشيوخ ذلك، معتبرين ذلك معياراً لولائهم لناخبيهم، ومحدّداً مهماً في شعبيتهم بالانتخابات الرئاسية “2024”، لكن بالمقابل هذا الخيار ليس مؤكد التحقق وفق بعض المحللين، الذين أشاروا إلى أنّ هناك ديمقراطيين معارضين لمثل تلك الخطوات، معتبرين إياها خطوة “شخصنة” وانتقام بعيد عن أولويات الحياة السياسية، كما أنّ التصويت على مثل تلك الخطوات لم يحصد حتى “60” صوتاً في مجلس النواب، ومن المستبعد أن تتم في ظل المعطيات الراهنة، كما أنه لا يوجد توافق على البند الذي سيعتمد أساساً لمحاسبة بايدن وعزله، فالبعض يعتمد ملف الانسحاب من أفغانستان، والآخر يعتمد ملف ابنه ومعاملاته المالية الخارجية، في حين يرى البعض أنّ الأولوية لفتح ملف الهجرة غير الشرعية من المكسيك.
وعلى الرغم ممّا ذكر سابقاً فإنّ الجزم في هذا الوقت بوصول الديمقراطيين أو الجمهوريين إلى الرئاسة غير ممكن، فبايدن سياسي منذ ما يقرب الخمسة عقود وخسارته لن تكون بتلك البساطة، فبإمكانه تحديث خطابه وإقناع الناخب الأمريكي بأنّ ما يحل في بلاده ناجم عن ظرف عالمي ولا علاقة له بالرئيس الأمريكي أو حزبه أو ضعف الإجراءات الحكومية المتخذة، أو حتى إقناعهم بأنه لا يمكنه فتح مواجهة مع روسيا مهما دعم أوكرانيا لسبب وجيه وهو الخوف من قوة روسيا كثاني جيش في العالم وامتلاكه لترسانة نووية تمثل قوة ردع استراتيجية لأي عدوان محتمل عليها.
إضافةً إلى ذلك، الناخب الأمريكي لم ينسَ بعد حماقات وفضائح ترامب، وهذا سيجعل عودته إلى السلطة مساراً تراجعياً في نظر العديد منهم، كما أنّ ترامب وحزبه من أنصار القطبية الواحدة للعالم والدفاع عنها، وهذا سيقلق الناخب الأمريكي الذي يبحث عن الاستقرار بعيداً عن التحدّيات والصراعات الدولية التي تنهك اقتصاده بشكل كبير كما تهدّد الأمن والسلم العالميين، ويتوقّع بعضهم ظهور شخصيات شابة من الحزب الجمهوري في غضون عام من الآن، وستطرح خطاباً أكثر تطوّراً وتلبية لتطلعات الناخب الأمريكي.
من جهةٍ أخرى، تعطي الإحصائيات حتى الآن نسبة نجاح 66% للجمهوريين مقابل 44% للديمقراطيين، ولا يمكننا الإنكار أنّ الحزب الجمهوري يتقدّم حتى الآن ويعدّ هذه الانتخابات مصيرية بالنسبة له، وخاصةً أنه يعِد الناخب بالعمل على تحسين الملفات الاقتصادية، فالناخب يهمّه حجم الضرائب والإعفاءات الضريبية أكثر من مصير الحرب في أوكرانيا.
لكن بالمقابل يشير العديد من الخبراء إلى أنّ استطلاعات الرأي ربما لا تكون دقيقة نظراً للتبعية الحزبية لبعض وسائلها ومراكزها، إضافةً إلى وجود زمنٍ كبير فاصل عن الانتخابات ربما يتحقق فيه العديد من المفاجآت كما حدث عندما رجّحت التوقعات فوز هيلاري كلينتون سابقاً، في حين كانت النتيجة مخالفة للاستطلاعات وبشدة، وحتى الآن هناك حوالي عشر ولايات متأرجحة ولم تحدّد موقفها من كلا الحزبين.
ومع زيادة احتدام المنافسات بين الحزبين يظهر إلى الواجهة من جديد ملف متعلق باستخدام العنف في السياسة وانعكاس ذلك على السياسات الداخلية والخارجية الأمريكية وصورتها المزعومة كناشر لـ”الديمقراطية” في العالم، فقد بدأت تحذّيرات العديد من النواب الأميركيين من تجدّد أعمال العنف التي تستهدفهم وخاصةً مع اقتراب موعد الانتخابات، مرجّحين أنّ الاعتداء الذي استهدف زوج رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي هو اعتداء سياسي موجّه لحزبها، ووفقاً لشرطة الكابيتول المسؤولة عن حماية أعضاء الكونغرس، ازدادت التهديدات الموجّهة ضد الأعضاء منذ عام 2017، من 3939 إلى 9625 في عام 2021.