المليارات التي تُهدر على الأمبيرات لماذا لا تستثمر بإقامة محطات التوليد؟!
البعث الأسبوعية ـ علي عبود
لم يكن ظهور مولدات الأمبيرات مفاجئاً في مدينة حلب، فقد كانت محرومة من الكهرباء بعد تدمير محطات التوليد التي كانت تغذيها بتيار نظامي على مدار الساعة، وكانت الأمبيرات الحل الوحيد المتاح لإنارة أجزاء من المدينة المحاصرة من الإرهابيين.
وبعد تحرير العاصمة الاقتصادية لسورية، وعودة الأهالي ودوران عجلات الورش الإنتاجية الصغيرة انتشرت الأمبيرات أكثر فأكثر، بل إن العدوى انتشرت إلى محافظات أخرى مع زيادة ساعات التقنين التي تتجاوز في الكثير من المدن والأرياف الـ 18 ساعة يومياً.
ولا يمكن أن نلوم المواطنين وأصحاب الورش والمهن باللجوء إلى شراء ساعات كهرباء تلبي احتياجاتهم المنزلية والإنتاجية، بل نستغرب عدم الترخيص لمستثمري مولدات الأمبيرات لكي تقدم خدماتها في ظل رقابة وزارة الكهرباء منعا لاستغلال أصحاب الحاجة، وهم كثر جدا!
وبما أن الأمبيرات أصبحت أمراً واقعاً وحاجة لا يمكن الاستغناء عنها في الأمد المنظور مادامت أزمة الكهرباء لن تنفرج قريباً ولا بعيداً فإننا نسأل: لماذا لا تقوم وزارة الكهرباء بالتنسيق مع غرف التجارة والصناعة والزراعة والنقابات المهنية بتأسيس شركة مساهمة تستثمر المليارات التي تُهدر على الأمبيرات بإقامة محطات توليد تخصص للمنتجين وللأسواق التجارية؟
ليست حلا اقتصادياً
ونتفق مع وزارة الكهرباء بأن الأمبيرات ليست حلاً دائماً ولا حلاً اقتصادياً بديلاً عن محطات التوليد، ونفهم أكثر غض نظر الجهات الحكومية عن قمع هذه الظاهرة التي انتشرت في محافظات أخرى بغياب البديل عن ساعات التقنين التي تطول يوما بعد يوم، ولكن السؤال: لماذا يقتصر رد وزارة الكهرباء على وصف الأمبيرات بكونها غير قانونية؟
لا شك من المستغرب السماح لقلة من المستثمرين باحتكار مولدات الأمبيرات وفرض أسعار باهظة على ساعة الكهرباء الواحدة بذريعة أنهم يشترون المازوت الضروري لتشغيل المولدات من السوق السوداء.
ونحن هنا لا نتحدث عن ملايين الليرات التي “يشفطها” أصحاب الأمبيرات من المواطنين وأصحاب الورش والمهن المختلفة، وإنما عن عشرات المليارات يومياً وليس شهرياً!
كان يجب على وزارة الكهرباء أن تلجأ بنفسها إلى استثمار مولدات الأمبيرات وتستخدم ملياراتها بتمويل محطات توليد نظامية دائمة وغير ملوثة للبيئة وغير مزعجة للمواطنين، ولكن الأمر كان ولا يزال يحتاج إلى مبادرة أو بالأحرى إلى إرادة قادرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية في أوقاتها المناسبة، ومع الأسف هذا الأمر غير متوفر لا في وزارة الكهرباء ولا النفط.. فلماذا؟
هدر 35 ملياراً على الأمبيرات!
وتعتبر حلب نموذجاً سيئا للهدر في مولدات الأمبيرات من جهة، وتقاعس الجهات الحكومية بتحويل الأزمة إلى فرصة من جهة أخرى، أي باستثمار المليارات التي تهدر بشراء ساعات كهرباء باهظة بإقامة محطات توليد صغيرة بالتنسيق بين وزارة الكهرباء وغرف تجارة وصناعة وزراعة حلب .. ترى لماذا غاب هذا الخيار عن الجهات الحكومية والخاصة؟
ولا توجد مبالغة بالقول أن المليارات المهدورة على الأمبيرات كافية لإنجاز أكثر من محطة توليد للمناطق والمدن الصناعية وللأسواق والورش وأرباب المهن المختلفة!
لقد أجرى المهندس فارس الشهابي رئيس اتحاد غرف الصناعة إحصائية حول واقع الأمبيرات المنتشرة في حلب منذ عام 2013 أكد من خلالها أن أهالي مدينة حلب يدفعون شهريا مالا يقل عن 35 مليار ليرة لحوالي 1300 مولدة أمبير في الشوارع تنشر الضجيج والتلوث!
ولفت الشهابي أنظار من يهمهم الأمر وتحديداً وزارة الكهرباء ورئاسة الحكومة إن المبلغ المهدور على الأمبيرات والذي يبلغ 420 مليارا سنوياً يكفي لإقامة محطة توليد بطاقة 120 ميغا سنوياً!
وحسب هذه الإحصائية الرقمية فإن ما يهدر على الأمبيرات خلال 5 سنوات والبالغ 2100 مليار يتيح إقامة محطة توليد بطاقة 600 ميغا .. أليس هذا هدر للإمكانيات المتاحة بحدودها القصوى؟
ومع ذلك فوزارة الكهرباء تتفرج على هدر المليارات وتكتفي بتكرار معزوفة: الأمبيرات ظاهرة غير قانونية!
الأمبيرات تلهب الأسعار
ولا يتوقف الأمر على شفط مستثمري مولدي الأمبيرات للمليارات يومياً، بل هم سبب رئيسي بغليان أسعار جميع السلع الغذائية والخدمات التي لا غنى للمواطنين عنها، فأصحاب الورش الإنتاجية والمحامين والمهندسين والأطباء جميعهم رفعوا ويستمرون برفع أسعارهم جراء شراء ساعات كهرباء من أصحاب الأمبيرات!
وبما أن وزارة النفط أو لجان المحروقات في المحافظات لا تزود مستثمري المولدات بمازوت مدعوم ولا حر لأنهم وضعهم غير قانوني فإنهم يشترون حاجتهم من المازوت من السوق السوداء والذي تراوح سعر اللتر الواحد منه بين 3000 ـ 8000 ليرة، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر هذا الشتاء مع شح المادة وقلة كمياتها الموزعة على القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، ما يعني أن ما يدفعه مستثمرو المولدات على المازوت الأسود سيستردونه من زبائنهم، كما إن المنتجين وأصحاب الورش والمهن سيرفعون أسعار سلعهم وخدماتهم بفعل ارتفاع أسعار مستلزمات إنتاجها..الخ.
ونستنتج بأن ارتفاع الأسعار وغليانها يعود في جزء كبير منه لمولدات الأمبيرات التي لم تعالج وزارة الكهرباء ظاهرتها حتى الآن سوى وصفها باللاقانونية، والمعالجة قطعا ليس بمنعها وإنما بتنظيمها ، وبتأسيس شركة مساهمة لإقامة محطات توليد من عائدات الأمبيرات .. فهل هذه مهمة مستحيلة؟
حماة الأولى
وفي حين التزمت مجالس الإدارة المحلية برأي وزارة الكهرباء فلم ترخًص لمستثمري الأمبيرات لكنها غضت النظر عنهم فلم تقمع الظاهرة المخالفة، فإن المكتب التنفيذي لمجلس مدينة حماة سجل سابقة فقد رخّص لثلاثة مستثمرين لتشعيل مولدات الأمبيرات!
ورأى العديد من التجار في الأسواق أن الاشتراك بالأمبيرات حل جزءاً من مشكلة التقنين الطويل للتيار الكهربائي وأنها على علتها أفضل بكثير من انقطاع الكهرباء ومن الظلام الدامس والمهم بالنسبة لهم أنه صار بإمكانهم فتح محالهم طوال الوقت الذي يتم فيه تزويدهم بكهرباء الأمبيرات، وتشغيل الإنارة والمكيفات!
وأشار بعض التجار أن السعر ليس مهماً مادامت الكهرباء متوافرة لمدة 8 ساعات وعلى فترتين صباحية ومسائية ورأى المواطنون أن كلفة الأمبيرات سيحصّلها التجار الذين اشتركوا بها من جيبهم .،فهم سيضيفون أجرتها العالية على السلع والمواد التي يبيعونها.
وحسب المكتب التنفيذي لمجلس مدينة حماة المشرف فأن الأمبيرات أصبحت واقعاً حيث تقدم مجموعة من المستثمرين للاستثمار في هذا المجال وقد رسا المشروع على 3 مستثمرين.
وولدت فكرة الأمبيرات من توجيهات المحافظة، بضرورة أن تفتح أسواق حماة بساعة متأخرة من الليل وليكن حتى الساعة 8 بدلاً من إغلاقها حالياً ومنذ سنوات طويلة عند الرابعة أو الخامسة مساءً لعدم وجود الكهرباء، وقد تم الاتفاق بين التجار والمستثمرين على تزويدهم بالكهرباء من الساعة العاشرة صباحاً لمدة ساعتين صباحاً و6 ساعات مساءً، أو ساعة واحدة صباحاً و7 مساءً وفيما يتعلق بسعر الأمبير الساعي،فإن الواحد أمبير بـ420 ليرة بالساعة.
وفي ظل التقنين القاسي في ريف دمشق انتعشت ظاهرة الأمبيرات ووصل سعر كيلو وات الساعي إلى أكثر من 5 آلاف ليرة بذريعة أن مستثمري المولدات يشترون مادة المازوت من السوق السوداء ، ويضطر المحتاجون إلى دفع ثمن الأمبيرات لقضاء حوائجهم.