هل “تنتزع” القصيدة عندما يكثر ناظموها؟؟.. “يا جلّق الشّام” أنموذجاً
نجوى صليبه
“يا جلّق الشّام كم يشتاقك العرب” نصّ شعري كتبه شعراء سوريون وعرب باقتراح من مدير ملتقى “أدباء الشّام” الشّاعر فرحان الخطيب، بعد زيارة أدباء عرب لدمشق للمشاركة في اجتماع الأمانة العامّة لاتّحاد الكتاب العرب، يوضّح الخطيب: بناءً على دعوة الدّكتور محمد الحوراني رئيس اتّحاد الكتّاب العرب احتضنت دمشق في الفترة الواقعة بين السّادس والعشرين والسّابع والعشرين من شهر تموز الماضي، أعمال اجتماع مجلس الاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب بمشاركة وفود من اثنتي عشر دولةً عربية، تمثّل اتّحادات وروابط وجمعيات الكتّاب والأدباء فيها، وألقى حينها الأمين العام الدّكتور علاء عبد الهادي كلمة حيّا فيها سورية وصمودها وانتماءها الأصيل، ومن وحي هذه التّظاهرة الأدبية العربية الكبرى في دمشق الفيحاء، دعا منبرنا “أدباء الشام” إلى تأليف قصيدةٍ عمودية مشتركة مطلعها وعنوانها “يا جلّق الشّام كم يشتاقك العرب”، تؤكّد مكانة دمشق المحورية على السّاحة الأدبية والثّقافية العربية، ونُشرت القصيدة في سورية ولبنان والعراق والجزائر، وقد شارك في تأليفها من سورية الشّعراء: أسامة حمّود والقس جوزيف إيليا وسارة خير بيك وعلوش عسّاف وفاتن ديركي ولينا الخطيب ومرام دريد النّسر وماجدة أبو شاهين ومحمد بشير دحدوح وناهدة شبيب وأنا، ومن لبنان الشّعراء: إبراهيم ديب أسعد وحياة قالوش وعبد الله سكرية، ومن فلسطين الشّعراء: خالد الشّوملي وسامي عوض الله البيتجالي وسامي مهنا وعبلة تايه ومحمد شريم، ومن الأردن الشّاعرة مريم الصّيفي.
ويحدّثنا الشّاعر أسامة حمّود عن سبب خوضه هذه التّجربة، وكيفية التّنسيق مع بقية الشّعراء، يقول: تمّ التّواصل من قبل الشّاعر فرحان الخطيب، محدداً هدف القصيدة ورسالتها والبيت الافتتاحي المتضمّن بحر القصيدة وقافيتها وموضوعها الذي تجلّى في عودة العرب إلى دمشق ودورها الرّيادي العربي، وحرصها على وحدة الصّف واستعادة موضوعة العمل العربي المشترك الذي عصفت فيه الظّروف التي مرّت فيها سورية والمنطقة، أمّا ما دفعني إلى المشاركة فهو ثقتي بتجربة غالبية المشاركين وسويّتهم الأدبية أوّلاً، ثمّ الحرص على وضع لبنة في هذا النّمط من إحياء التّشاركية وتحقيق ملحمية شعرية تعيد الوهج للشّعر وتلقي بظلالها الإيجابية في تشذيب تجارب المنضوين في إطاراها على أن يتاح الوقت الكافي واللقاء المباشر للشّعراء لتوحيد الرّؤية وتحقيق أعلى سوية من الانسجام ووحدة القصيدة فكراً وتكتيكاً.
وبالسّؤال عمّا إذا وجد صعوبة في متابعة أبيات بدأها شاعر سابق وعمّا إذا كانت القصيدة المشتركة تحافظ على روح أو نفس شعري واحد، يجيب حمّود: ليس ثمّة صعوبة في نظم أبيات على بحر وقافية معيّنة طالما أنّ موضوع القصيدة واحد، لكن المشكلة تكمن في تحوّل الشّاعر إلى شعر المناسبة الذي يخلو غالباً من الدّفقة، ويميل إلى الصّنعة التي تعتمد على تمكّن الشّاعر من أدواته، ولا يعتمد على عفوية القصيدة وتدفقها الشّعوري، وثمّة محاذير أخرى تتعلّق بتفاوت مستوى المشاركين الذي يجعل القصيدة تعلو وتهبط في سويّتها الفنية فتفقد تجانسها وروحها الواحدة.
وهذا ما تؤيّده الشّاعرة مرام النّسر بالقول: كتابة القصيدة الفردية تعطي الشّاعر الحرية للجنوح في اتّجاهات شتّى، بينما القصيدة المشتركة تقيّده بالموضوع، لكن يبقى لها جماليتها ولا سيّما أنّ الجميع يدورون حول هدفٍ واحدٍ، ويكتبون كما لو كانوا على قلب رجلٍ واحد، أمّا سلبيات كتابة قصيدة فتكمن في تفاوت مستوى الشّعراء، وبالتّالي وجود مقطع أفضل من آخر، لذلك يرجى الحذر عند اختيار الشّعراء واختيارهم من بيئات متقاربة لكي لا تتفاوت الأبيات ونخرج بمزيج هجين غير محبب.
“القطار الأزرق” رواية مشتركة كتبها عدد من الأدباء السّوريين ومن بينهم الشّاعرة والرّوائية فاتن ديركي التي تخوض تجربة الكتابة المشتركة لكن في مجال الشّعر هذه المرّة، وتوضّح الاختلاف بين التّجربتين بالقول: كتابة الرّواية المشتركة أكثر صعوبةً من القصيدة، لأنّنا في الشّعر غير مقيدين بشيء سوى القافية والبحر وعدد الأبيات، إذ طلب من كلّ شاعر خمسة أبيات فقط، أمّا في الرّواية فلدينا فكرة وقصّة وشخصيّات وأحداث، لذلك نحن بحاجة لتنسيق كبير واجتماعات ونقاشات واتّفاق على كلّ شيء.
وحول أهمية هذه التّجربة تحدّثنا ديركي: هذه مشاركة بين أدباء وشعراء من أكثر من بلد عربي، وهي تجربة جميلة ومهمّة جداً تعزز الشّعور القومي والوطني في فترة زمنية مليئة بالأزمات، كما أنّها تعزّز الحركة الثّقافية وتحرّك الجوّ الرّاكد، مضيفةً: شعرت فيها روحاً واحدةً لأنّها منسجمة وتحمل أفكاراً متقاربة عن الوطن ومحبة الشّام والأرض والوطن، لكن لكلّ شاعر أسلوبه وكلّ شاعر تكلّم عن جانب معيّن والأشقّاء العرب تكلّموا عن دمشق بشكلٍ جميلٍ وصارت نسيجاً متكاملاً.
وبسؤال من هم خارج أسرة هذه القصيدة المشتركة، يحدثّنا الشّاعر خليفة العموري: القصيدة المشتركة صنعة، لأنّها ستكون قصيدة بالتّواتر، ومبنية على الاستهلال، أي هناك شاعر أوّل له السّبق بالمطلع وخلفه النّظامون، يعني تقليد ما سبق شكلاً، ومن ثمّ البناء اللغوي على البحر والقافية، وتالياً تكون خارج راهنيتها من حيث العاطفة التي تحوّلت إلى حالة لفظية فقط موائمة للسّياق وما ينفي عنها حالة الإبداع، أو بمعنى آخر ستكون اجترارات لغوية قائمة متلاحقة، فالحالة الإبداعية هي دائماً حالة ذاتوية للفرد، وليس هناك إبداع جمعي إلّا بالشّكل، كما أنّ الحالة الشّعرية لا تقبل القسمة على اثنين إلّا في حدود ضيّقة كثنائية حواريّة مثلاً.
لكن كيف يقرأ النّاقد هذه القصيدة المشتركة؟ يجيب الدّكتور عبد الله الشّاهر: لا أعتقد أنّ القصيدة المشتركة تحقق حالة الإبداع في بنائها وشكلها لاعتبارات كثيرةٍ منها الحالة النّفسية التي توحي للشّاعر بقصيدة، واستناداً إلى علم النّفس: لا تنطبق حالتان نفسيتان باللحظة ذاتها لشخصين اثنين وذلك لاعتبارات نفسيّة وثقافيّة وبيئيّة، وتالياً فإنّ توجّهات القصيدة ـ في كثير من الأحيان ـ تكون مختلفة عن توجّهات الآخر في هذه اللحظة، مضيفاً: القصيدة المشتركة غالباً ما تكون قصيدة انطباعية تقليدية، لا تحقق حالة الإبداع، لذلك فهي قصيدة مناسبة نابعة من الوعي وليست نابعة من اللاوعي.
وبالسّؤال عمّا إذا كان القارئ بشكلٍ عام والنّاقد بشكل خاصّ قادراً على اكتشاف اختلاف المستوى في أبيات القصيدة، يجيب الشّاهر: مهما كانت علاقة الانسجام بين شخصين عاديين فإنّ لكلّ خصوصيته، فما بالنا ونحن نتحدّث عن قصيدة كاملة؟ مبيّناً: لكلّ شاعر خصوصيته، لذلك لا يمكن أن تكون حالة متطابقة والإبداع يأتي من الّلاوعي، فقد يكتب الكاتب نصّاً ويعيد قراءته ويقول: هل حقّاً كتبت هذا الكلام؟ مضيفاً: القارئ العادي والنّاقد قادران على ملاحظة هذا الاختلاف واضحاً.