“سيرة الزير سالم” التراث برؤية معاصرة
سلوى عباس
لازال مسلسل “سيرة الزير سالم” للأديب الراحل ممدوح عدوان والذي أُنتج في العام 2000 يلقى إقبالاً لدى المشاهد السوري والعربي، حيث يُعرض الآن على إحدى المحطات السورية، وتدور أحداثه حول حرب البسوس التي دامت أربعين عاماً، تلك الملحمة التي كانت لزمن ليس ببعيد مادة دسمة للحكواتي والاجتماعات الشعبية قدّمها كاتب العمل بصياغة جديدة، إذ خلّصها من الكثير من الخرافات والأوهام التي لحقت بشخصيات تلك السيرة، وعمل على رصد واقع شخصية البطل الشعبي وسلبيته، حيث إنه رجل “زير نساء” يحب النساء والشرب، ومن إحدى ميزاته كبطل تراجيدي تطرفه الذي جعله لا يعرف الاعتدال بشيء، ولقبه بـ”المهلهل” أتى من خروجه على العادات والتقاليد سواء في الأدب أو في المجتمع، حيث ترتسم صورة البطل الشعبي في ذاكرة المشاهدين شخصاً خارقاً في بطولاته، عصيّاً على الانكسار والهزيمة، وحتى على الموت. ويعتقدون أن ما يعرفونه مُلكاً لهم لا يقبلون بغيره حتى لو بالحقيقة، ولو واجهتهم بالغلط لا يقبلون، ومن هنا كان رفض المشاهدين لنهاية سيرة “الزير سالم”، تلك السيرة الشعبية التي قدمها الحكواتي بأسلوب حكائي مشوّق يضفي على الحكاية بعض الحالات الانفعالية التي تؤثر في الجمهور وتجعلهم يؤازرون البطل في الحق والباطل.
تأتي “سيرة الزير سالم” لتطرح إشكالات عدة تتعلق بواقعية الحدث متكئة على ما اختزن في الذاكرة الشعبية من أحداث تلك السيرة، لكن المفارقة التي جعلت ردود أفعال المشاهدين تتراوح ما بين مؤيد للطرح ومستنكر له، أن كاتب السيناريو الأديب الراحل ممدوح عدوان قدم قراءة جديدة لشخصية البطل الشعبي من خلال رؤية درامية لم تتوافق مع رؤية المشاهدين الذين اتهموا العمل بتشويه أحداث التاريخ.. وقد اعتمدت هذه الرؤية على تحليل عامل الخير والشر وإبراز المبررات لهذا الطرح.
فجأة هذه الشخصية المسلوبة من ذاتها ومن واقعها، ترى نفسها أمام ظروف مختلفة حيث تحوّل “الزير” الفنان “سلوم حداد” من شخص مهمل لشؤون الحياة وغير مهتمّ بشيء إلى شخص تقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة حمّلَه أعباءها مقتل أخيه كليب الفنان “رفيق علي أحمد” من قبل جسّاس “الفنان عابد فهد” الذي تمثّلت شخصيته بطابع الشر بالنسبة للمشاهد، وهنا تتجلّى ظاهرة الثأر كسبب رئيسي ومباشر لقيام الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب، وما يظهر من أحداث خلال جولات الحرب التي قامت بين القبيلتين يبيّن كم كانت هذه الأحداث تبحث عن مصداقيتها التاريخية بنسيج درامي كان المؤلف موفقاً في بنائه، من خلال فهمه لبنية تلك الشخصيات ومعاصرتها للواقع في محاولة منه لرسم صورة تفصيلية لمجتمع ينطوي على زمان ومكان محدّدين في سياق ما يعطي لكل عمل تاريخي مشروعيته برؤية معاصرة، بحيث لا يقدم أي عمل تاريخي كما هو، وإنما يحمل في مضمونه إسقاطاً للواقع التاريخي المعاش.
من هنا.. وفي قراءة راهنة للعمل الذي مضى على إنتاجه أكثر من عشرين عاماً نرى أنه يمثّل رؤية تاريخية معاصرة في قالب تراثي، أضفى على الحدث طابعاً تشويقياً، وأثار ردود أفعال تراوحت بين السلب والإيجاب، لكن هذه الإشكاليات كلها التي رافقت العمل تؤكد نجاحه ومصداقيته، وربما تكرار عرضه في هذا الوقت الذي نعاني فيه من القتل والتدمير يأتي من منطلق حتمية الانتصار الذي يخطّ أبناء المنطقة الأبطال تاريخه في سفر المجد بدمائهم وأرواحهم.