“هذا من فضل ربي”..؟!
بشير فرزان
تخطفُ هذه العبارة اهتمام المواطن وتدخله متاهة من الأسئلة المحيّرة، خاصة بعد أن كثُر حضورها في المؤسّسات العامة وخلف كراسي المدراء العامين، وحتى في “الكريدورات” المؤسّساتية الخدمية التي أشبعت المواطن الكثير من الشعارات الباحثة عن الرضى، ولكن دون أن يتحقق ذلك في التنفيذ، بل على العكس تماماً استمرت التجاوزات إلى حدّ الإثراء غير المشروع، وكلّ واحد فينا لديه جارٌ أو صديقٌ بانت عليه علامات الغنى الفاحش من خلال الاسترزاق الوظيفي، وهنا بيت القصيد كما يُقال.
وطبعاً، لا نريد تكرار معاناة السنوات الماضية وفقء الجرح المتورّم في الجسد المؤسّساتي الوظيفي، بل نودّ الدردشة حول الحلول الضائعة أو المغيّبة في جميع المؤسّسات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتشد على أبوابها عشرات التساؤلات الباحثة عن حقيقة الأداء الحكومي السائر بعكس ما تبشّر به الحكومة، التي ما زالت ترفض الاعتراف بأنها أخفقت في تعزيز حضورها الشعبي، فلا يختلف اثنان في ماهية الفرق بين ما يُرسم على الورق من إجراءات سريعة وملحّة لإصلاح وإنعاش حال المواطن، أو لجهة محاولات تفعيل عمل مؤسّسات الحكومة وشركاتها من الناحية الإدارية والمالية والإنتاجية والتسويقية والاستثمارية، وتأمين التمويل اللازم لها لتجديد عملها وتغطية التكاليف الإنتاجية والتشغيلية وتحقيق الردع القانوني لضبط الغلاء وكبح الأسعار وتحسين الوضع المعيشي، وخاصة إيقاف نزيف المال العام الذي مازال يُستجرّ إلى الجيوب الخاصة تحت شعار “هذا من فضل ربي”!
والسؤال هنا: أين هو مشروع الذمة المالية الذي لم يرَ النور حتى هذه اللحظة؟ رغم أهميته في هذه الظروف العصيبة، كونه من القوانين التي تؤكد ولادتها حقيقة التعاطي الجاد مع قضايا الفساد المالي الذي بات أكثر جرأة ومجاهرة، وبشكل يحبط مفعول الإجراءات التي تمّت فعلاً من إصلاح مؤسساتي جزئي عبر مراحل مشروع حكومة الحلول الاستثنائية الذي تعانده الظروف (كما تدّعي الحكومة)، وخاصة مع تعاظم حضور الأيادي الخفية التي تدفع به نحو الهاوية، حسب سلسلة من الشواهد على أباطرة المال الحكومي الذين لا يتوانون عن تقزيم المواقف التي تتبناها الحكومة لإنقاذ الاقتصاد وانتشال الناس من الفقر والحاجة، وللأسف قلّما نجد مؤسّسة تخلو من هؤلاء الذين لا يهتمون إلا بجيوبهم وتأمين موارد مالية كافية لتغذية نفقاتهم ونزواتهم العابرة على بقايا الوضع المعيشي العام.
واللافت والجديد بمقياس المستجدات هو عدم التقدم في مشروع الذمة المالية المهمّ جداً، لما له من دور أساسي في منع تفشي الإفساد الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي الذي ترتفع معدلاته على أنقاض الواقع المعيشي المتهالك، وبشكل يوهن عزيمة المواطن الذي ملّ سيناريو كفّ اليد الذي يخرج دائماً من أبواب النفوذ وتسجيل القضايا ضد مجهول.
وإذا كانت الحكومة بحقائبها الـ 30 تشكو عدم توفر الموارد المالية الداعمة لخططها، فننصحها بوضع عبارة “هذا من فضل ربي” تحت مجهر الرقابة والتدقيق في حسابات العديد من كبار الموظفين وغيرهم من الشخصيات، وهذا كفيل بإغناء خزانتها العامة وإمدادها بما يساعدها في تحسين الدخل الوظيفي والوصول إلى رضى المواطن، إذا كان هذا ما تريده فعلاً، وتبقى الحلول في عهدة استذكار عشرات القوانين التي لم يُكتب لها بعد التنفيذ لغاية في نفس………….؟!.