شولتس بعد الخذلان يتّجه نحو الصين
تقرير إخباري
تُثار تساؤلات عديدة حول زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الصين رغم قطيعة دامت ثلاث سنوات، فقد رأت الصحافة الألمانية أنّ سبب الزيارة هو حثّ الرئيس الصيني شي جين بينغ على “الضغط على روسيا” في سبيل التنازل عن عمليتها الخاصة المشروعة في أوكرانيا، وتتناسى تلك الصحافة أن الغرب هو من يدعم أوكرانيا لإطالة أمد الحرب وإفشال ركونها إلى طاولة المفاوضات، كذلك ترى أنها تهدف للعب دورٍ في تهدئة الوضع في مضيق تايوان، متناسيةً أنّ “الحليف” الأمريكي يصبّ الزيت على النار من خلال إرسال الغواصات وطائرات بي 52 إلى تخوم الصين في أستراليا.
وترى الصحافة الألمانية أن الهدف هو حثّ الصين على “مراعاة حقوق الإنسان” بحجّة أنها منقوصة، في وقت تتعامى فيه تلك الصحافة مع كل العالم الغربي عن ملفات انتهاكات حقوق الإنسان العربي والأفريقي وغيرهم، في اصطفافهم خلف أمريكا وإسرائيل والتصفيق لهما في جميع المحافل الدولية.
والحقيقة، فإن ألمانيا، ورغم حجم اقتصادها، ليست قوة عالمية كبرى حتى تؤثر في الموقف الروسي الصيني، فألمانيا دولة من 80 مليون إنسان، بينما الصين شبه قارة من مليار ونصف المليار مواطن، كما أنّ الصين ليست في وارد بيع المواقف نهائياً ولن يجبرها شيء على ذلك حتى لو كانت معظم مصانع أوروبا على أراضيها.
من المؤكّد أنّ الأسباب الكامنة وراء الزيارة مغايرة لما ذُكر وتردّد، خاصةً وأنّ شولتس اصطحب معه عدداً كبيراً من رجال الأعمال وأصحاب الشركات، كما أنّ الزيارة تحمل اعترافاً بشرعية السياسة الصينية في جميع جوانبها، في وقت تنازع ألمانيا وتعاني الأمرّين وتدفع فاتورة التعنّت الأمريكي والعقوبات الأوروبية على روسيا، كما أنها تعرّضت لخذلانٍ شديد بعد إرغامها على قطع علاقاتها مع روسيا وخسارتها لإمداداتها من الغاز، فأمريكا باعتها الغاز بأربعة أضعاف سعره وجيرانها الأوروبيون تركوها وحيدة بما فيهم فرنسا بعد رفضها إمداد ألمانيا بالغاز المرتجع من إسبانيا. وقد حاول شولتس زيارة العديد من الدول للحصول على غازٍ مسال رخيص السعر، كالذي كانت تحصل عليه بلاده من روسيا، لكن مصير طلباته كان إما الرفض وإما الأسعار والتكاليف العالية، كما أنّ ألمانيا بحاجة إلى المواد الخام وحوامل الطاقة والرقائق الصينية، ولديها مصانع عديدة ضمن الصين وهي ما زالت تعمل حتى اللحظة وتبيع 30-40% من إنتاجها ضمن السوق الصينية.
من جهةٍ أخرى، فإن حكومة شولتس باتت كغيرها من حكومات أوروبا المهدّدة بالسقوط لمصلحة انزياح السلطة من أقصى اليسار نحو أقصى اليمين، والتشدّد للعادات والتقاليد على مؤسسات ومظاهر الاتحاد الأوروبي والليبرالية الجديدة، في وقتٍ يشهد فيه العالم أقطاباً عالمية جديدة تنزاح فيه مظاهر الاقتصاد والقوة وحتى المعرفة من الغرب نحو الشرق.
وعلى الرغم من تنامي العداء الأمريكي للصين منذ عام 2000 كانت ألمانيا تسعى مع فرنسا إلى إبقاء العلاقات قوية مع الصين لتشكيل ما يشبه مساحة وساطة بين الدولتين.
بالمحصلة، خطوة ألمانيا – حتى لو وصفت بالاقتصادية البحتة، كما حاول بعضهم إظهارها – ستتحوّل في القريب العاجل إلى استدارة كاملة نحو الصين، إن لم نقل حتى نحو روسيا، وخاصةً مع اقتراب أوروبا من حافة الانهيار الاقتصادي، فألمانيا اعتادت أن تكون الاقتصاد الأوروبي الأول، ولن تضحّي بنفسها مهما كان تجاوز الإرادة الأمريكية صعباً.
بشار محي الدين المحمد