جمهور الناخبين الأمريكي لا يصدّق ساسته ولا يتوقّع الأفضل
تستمرّ معركة الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة في خضمّ العديد من التحدّيات والمشكلات الكبرى التي تكتنفها، وتتمحور تلك المشكلات حول عدة مسائل يأتي في مقدّمها الوضع الاقتصادي الأسوأ منذ نحو أربعة عقود، إضافةً إلى مسألة وجود جمهور من الناخبين لسان حالهم يقول: إن ثمّة تزويراً في الانتخابات الرئاسية السابقة، وهم بالتأكيد سيكرّرون التصوّر ذاته إن لم يربحوا الانتخابات، ومهما حقق منافسوهم من أصوات في الصناديق.
ومن ضمن الملفّات أيضاً يطفو على السطح ملفّ الخداع والتزوير من وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة “منصات التواصل الاجتماعي” وحملاتها المضللة، مع تخوّف الناخب الأمريكي من تكاثر هذه الظاهرة، وإضافةً إلى ما ذُكر تبرز مشكلة الانقسام الواضح داخل الحزب الجمهوري، وظهور منافس بارز لترامب ربما يهدّد فوزه برئاسة الحزب ومن بعدها رئاسة أمريكا في حال تحقيق الحزب للأغلبية.
وفي تفاصيل المشهد، نلحظ أنه على الصعيد الاقتصادي تتسارع الوعود من مرشحي الأحمر والأزرق لطمأنة المواطن الأمريكي بالحياة الرغيدة والمليئة بالرخاء الاقتصادي، لكن جميع هذه الوعود باتت مثار شكّ وعدم تصديق مع التزايد اليومي للأزمات التضخمية وزيادة تكاليف المعيشة، بل ازدادت أيضاً أعداد من يلجؤون إلى المؤسّسات الأهلية للحصول على قوت يومهم من المواد الغذائية في بلد يصف نفسه بأنه صاحب الاقتصاد الأقوى عالمياً، كذلك تزداد أعداد الوظائف المفقودة ما يرفع نسب البطالة بشكل مستمر منذ جائحة “كوفيد” وما تلاها من أزمة في الاقتصاد العالمي مؤخراً. واللافت أنّ استطلاعات الرأي أوضحت أن 90% من مناصري الحزبين المتنافسين الديمقراطي والجمهوري ليس لديهم ثقة بوجود حلول للملف الاقتصادي والمعيشي لدى ممثليهم، كما أنّ الناخب لم تعُد تغريه الحلول الترقيعية وآثارها اللحظية، كضخ جزء من الاحتياطي النفطي في الأسواق لخلق استقرار نسبي مؤقت في السعر ضمن الأسواق، ورفع الفائدة من الفيدرالي 6% للتخفيف من حدّة التضخم الذي ما زال مستمراً.
ويقرأ الناخب خلال حملات الحزبين عدم تطرّقهما إلى وضع برامج للملفات الاقتصادية والمعيشية، ما يوجّه له إشارة واضحة بأنّ كلا الطرفين لن يفيده في همّه الأول.
من جهة أخرى، تزداد الاتهامات المتبادلة بين الحزبين، حيث يرى الديمقراطيون أن الديمقراطية في الولايات المتحدة باتت مهدّدة وستكون في خطر حقيقي في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات، وأخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن يحذّر ناخبيه من وصول دونالد ترامب “الرئيس السابق وزعيم الجمهوريين الحالي” مع حزبه إلى السلطة نظراً لـ”تطرّفهم”، واصفاً ذلك بـ”الرجوع إلى الخلف”، وأنّ هذه الانتخابات تشكّل منعطفاً خطيراً في تاريخ بلاده على اعتبار أن الجمهوريين وفق تعبيره “يعيشون على الفوضى والأكاذيب على عكس حزبه”، كما يقول بايدن في خطابات: “إنّ الديمقراطية في أمريكا بحالة الخطر”، “هذه لحظة فارقة للأمة ويجب أن نتحدّث جميعاً بصوت واحد”. وفي ظل المنافسات الانتخابية يُلحظ وجود مؤشرات قوية على أنّ “الديمقراطية” أو ما تبقى منها سيتلاشى في أمريكا، فالطرف الآخر “الحزب الجمهوري” لن يقبل النتيجة إذا كان خاسراً، وخاصةً أن استطلاعات الرأي أكدت أن 50% من ناخبي ترامب كانوا غير راضين عن النتيجة ويعتقدون أنها مزوّرة، وهذا يبدي مدى ميلهم نحو الشعبويّة على حساب القانون والمؤسسات، كما يشي بمستقبل ما قد يحدث من عنف أو استخدام للسلاح أو حتى تحريك ميليشيات مسلّحة قد تفرض رأيها بالقوة في الشارع الأمريكي سواء في يوم الانتخابات أم حتى فيما قد يليه من استحقاقات، يُضاف ذلك إلى كميّة التهديدات المرسلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمشرفين على الانتخابات المتضمنة رسائل بأنّ عناوينهم معروفة وسيتعرّضون للخطر. من جهةٍ أخرى، هناك فئة من المشككين تعتبر أن بايدن حتى اللحظة رئيس غير شرعي للبلاد، وهم يشكّلون ظاهرة متزايدة في جميع الولايات، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ استطلاعات الرأي الأمريكية تشير إلى أنّ 9% فقط من الأمريكيين يرون أنّ الديمقراطية في بلادهم على المسار الصحيح.
وبرزت في هذه الانتخابات ظاهرة أخرى تتعلق بموضوع استخدام الفوتوشوب والذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية للتضليل من شركات تابعة لأحد الحزبين، حيث تؤكّد استطلاعات الرأي أنّ 53% من الناخبين يرون أنّ نشر المعلومات المضللة سيزداد، وهذه النسبة تشي بأنّ عدداً كبيراً من الناخبين سيحجمون عن الإدلاء بأصواتهم، كما كشف تقريرٌ أنّ الجمهوريين دفعوا المال للبقاء في مجلس الشيوخ، عبر قيام تشاك شومر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ بدفع مبلغ عبر منظمة غير ربحية على شكل تبرّعات تقدّر بنحو 50 مليون دولار بشكلٍ سرّي بهدف بقائه مع حزبه في المجلس. أما ترامب فيصبو من خلال وجوده ضمن الحملات الانتخابية إلى طرح نفسه كمرشحٍ للانتخابات الرئاسية 2024 وقد صرّح بذلك علناً، لكن مع مرور الوقت يظهر الانقسام داخل حزبه، وخاصةً بعد تنامي شعبية منافسه ضمن حزبه، رو ندي سانتس، حاكم ولاية فلوريدا الذي سطع نجمه في تحدّيه لإجراءات التباعد الاجتماعي والإغلاقات في ظل جائحة كورونا وقيامه برفع دعوى ضدّ بايدن تتعلق بضعف سياسته في ملفّ المهاجرين غير الشرعيين، وأكدت استطلاعات الرأي أنّ الجمهوريين يرون فيه نسخة أكثر عقلانية من ترامب، وتمتّعه بكاريزما تلفت إعجابهم. وعلى الرغم من ضبابية المشهد وعدم وضوح ماهية الحزب الذي سيفوز حتى الآن فهناك مؤشرات كثيرة لا تبشّر الديمقراطيين بالخير، وتنذر بانخفاض شعبية بايدن وحزبه، فوفقاً لاستطلاعات رأي أجرتها شبكة CNN الأمريكية فإنّ شعبية بايدن انخفضت من 46% في أيلول إلى 42% في تشرين الأول، وإنّ 61% من الأمريكيين يرون أنّ بايدن لم يُعِر اهتماماً للشأن الداخلي، كما يرى 75% منهم أنّ الاقتصاد الأمريكي يمرّ بحالة ركود، في حين أنّ نسبة 28% منهم ترى أنّ الأمور تسير بشكل جيد، وبات من الواضح أن بايدن يركز جلّ اهتمامه على الأزمة في أوكرانيا، في حين أنّ اقتصاد بلاده يعاني الأمرّين، بينما تتنامى أصوات الجمهوريين المطالبة بعكس ذلك، حيث قالت النائبة الجمهورية عن ولاية جورجيا مارجوري تايلور غرين: إن أوكرانيا لن تتلقى أيّ تمويل إضافي إذا استعاد الجمهوريون السيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفية، متهمة الديمقراطيين بأنهم لا “يهتمون بحدود وشعب” الولايات المتحدة، وصرّحت بأنّ “الحدود التي يهتمون بها هي أوكرانيا، وليس الحدود الجنوبية للولايات المتحدة”، كما صرّح زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن مكارثي بأن حزبه لن يوقع شيكاً على بياض لأوكرانيا، مؤكداً أنّ الجمهوريين سيكبحون الإنفاق على أوكرانيا إذا استعادوا مجلس النواب. وبالعودة إلى الأسباب الأخرى لخيبة بايدن، فإن الناخب يبدي قلقه من زلّات لسانه الكثيرة خلال خطاباته، وآخرها هفوة يدّعي فيها أنه نجح في خفض الدين العام للبلاد إلى النصف، بدلاً من عجز الميزانية، حيث قال: “لقد خفّضنا الدين الفيدرالي إلى النصف هذا العام.. فعلنا ذلك بمقدار 1.4 تريليون دولار، العام الماضي 350 ملياراً، وسنخفض 250 ملياراً أخرى خلال العام القادم”.
بشار محي الدين المحمد