يأجوج الفضائي ومأجوج الإلكتروني!
غالية خوجة
يسألك يأجوج: بماذا تفكر؟ ويسألك مأجوج: ماذا يحدث؟ وأنت سعيد بما تقدّمه طواعية لهذا العالم الافتراضي من معلومات وأفكار!.
ترى، هل تساءلت عن أسباب هذه الأسئلة التكنولوجية ومدى براءتها وخبث أهدافها؟ وهل تحسب أنها تولي شخصك الكريم هذا الاهتمام اللبق بسؤالها الأنيق من باب الإنسانية البحتة؟ وهل لاحظت أنك طواعية تقدّم لهذه الوسائل ما تشاؤه هي؟
الغالبية لا تخطر لها هذه التساؤلات، وإلاّ لقدم كلّ إنسان ما يشاء هو من معلومات لا ما تريده تلك الوسائل الباحثة عن دراسات عميقة لكلّ إنسان وبيئته وطريقة تفكيره ومجتمعه، لتعرف كيف تكون جزءاً من حياته في البداية، ثم كلّ حياته، فتقدّم له ما تشاء من رغبات وحلول واقتراحات، لتستولي عليه بديناميكية متفاعلة طوعاً منه، وتستغله نفسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، سياسياً، إعلامياً، وتقدّم له الإعلانات والاقتراحات والحلول، فيصبح أسيراً لعالم يأجوج الفضائي ومأجوج الإلكتروني.
وهذه العملية الآسرة تسحره، فيصبح مستهلكاً لا منتجاً، ويترك للعالم الإلكتروني التفكير نيابة عنه، وعندما ينتهي العمر، يكتشف أنه لم يقدّم لحياته وعائلته ومجتمعه ووطنه المفيد، بل استهلك حياته أمام الشاشات المختلفة التي حسبها ماء فكانت “سراباً بقيعة”.
وبكلّ تأكيد، العيبُ ليس في هذه الوسائل الإلكترونية، بل في مستخدميها، وطريقة توظيفهم لها، لذلك، لا أجمل من أن يكون الإنسان سيدَ نفسه لا سيد العالم، ويدير إرادته بطريقة تناسب حياته، لأن لكلّ إنسان بصمة روحية وجسدية وحركية مميزة عن الآخرين، والجميل أن هناك من الجيل الشاب من يقنّن استهلاك عمره مع هذا الفضاء اليأجوجي المأجوجي، ويوظف حياته في المفيد حتى لو كان نصف ساعة من المشي، أو نصف ساعة يخصّصها للجيران، أو يمضيها في القراءة أو حضور فعاليات متنوعة، أو مع العائلة والأقارب والأهل والأصدقاء والمعارف والوحدة والتأمل.
وأشيرُ إلى أن الإنسان المستقبلي سيتغيّر عقلياً وجسدياً فيما إذا ظلّ رأسه أمام الشاشات، سينحني ظهره باكراً، وتصاب عيناه بالظلمة، وترتعش يداه وقدماه، وينخفض مستوى تفكيره العقلي، فلا يستطيع اتخاذ القرارات المناسبة، فكيف، إذن، سيصنع القرارات؟.
هناك مجتمع علمي كامل يعمل كنصّ خفيّ خلف النصّ الظاهر من شاشات العالم الإلكتروني، موزع إلى لجان مختلفة لها مهامها وأهدافها المرسومة لفترة زمنية طويلة، منها لجان رقابية، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، تجارية، إعلامية، ممنهجة لمصلحة هذه القوى العالمية المتداخلة وأهدافها المرسومة ومشاريعها التوسعية أرضاً وبحراً وبراً وجواً وأدمغة!.
وأعتقدُ أن كلّ هذه “الأجندات” أصبحت واضحة، ومكشوفة، لذلك، على الإنسان المعاصر، ولاسيما العربي، إعادة صياغة ذاته، ومجتمعه، وقيمه الأصيلة، بطريقة معاصرة، واعية، مدركة لكلّ ما يُحاك له ولوطنه العربي، فماذا لو أن الإنسان العربي أعاد صياغة العولمة تبعاً لمنظوره ورؤاه وأهدافه ومشاريعه الماضية والحاضرة والمستقبلية؟ وماذا لو صدّر هذه العولمة العربية إنسانياً وكان إيجابياً فاعلاً لا سلبياً منفعلاً؟.
العقلُ العربي مبدع عموماً، وقادر على تجاوز التحديات، وطاقته كامنة فيه، ويحتاج إلى إطلاق الشرارة لتلمع الخلايا المضيئة، وتبتكر أسلوبها العالمي المؤثر علمياً، معرفياً، ثقافياً، انتمائياً، وهذا ما تجسّده أمثلة معاصرة في حياتنا العربية السورية، بين مفكرين وعلماء ومخترعين وأدباء وسياسيين، لذلك، لا بدّ من أن تكون هناك منهجية قرائية ودراسية وابتكارية عربية معاكسة لهذا العالم الإلكتروني المستورد الذي سيصبح يوماً ما حكومة عالمية تفرض شروطها على جميع الدول!!
ترى، بماذا تفكر؟ وماذا يحدث؟