صرخة الطفولة!
بشير فرزان
حالات الطلاق التي تصــل إلى المحاكـم الشرعية وأسماع المصلحين والمرارة التي تتحدث بها صغيرات أُجبرن على الزواج في سن مبكرة أمور ليست جديدة على المجتمع السوري الذي اعتبر الزواج من الصغيرة سواء في أيام الحرب أو قبلها حدثاً اجتماعياً لا يستحق الالتفات إليه شأنه شأن بقية نواحي الحيــاة اليومية
وبصراحة نحن جميعا لسنا إلا شهود زور على جرائم قتل الحياة بالنسبة للآلاف الفتيات الصغيرات اللواتي ننأى بأنفسنا عن المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية اتجاههن ونتغاضى عن قباحة وبشاعة قضيتهن المندرجة في خانة فوضى الحياة وزحمة الهموم ولسنا أيضاً إلا مختلسي النظر على مزاد الأنوثة المستباحة بحكم العقود العرفية وبمئات الليرات السورية التي تختزل في الكثير من الأحيان بكسرة خبز وسقف يأوي طفولة مشردة وأجساد غظة بريئة تبحث عن الأمان الحياتي الذي تحول إلى منزلق اجتماعي خطير تعيشه الأسر السورية في ظل المحنة.
وطبعاً الأيام العصيبة التي يعيشها الناس باتت مبرراً و مناخاً اجتماعياً ملائماً لازدهار تجارة الجسد التي لبست ثوب الشرعية في سوق الزواج العرفي الذي يلقى رواجاً كبيراً وخاصة من الفتيات القاصرات اللواتي قد تجبرهن الظروف أو أسرهن للدخول إلى قفص الزواج المبكر وبدون مبالغة أو تجميل للواقع بحقائقه المؤلمة يمكن التأكيد على أن الحالات التي تصــل إلى المحاكـم الشرعية وأسماع المصلحين والمرارة التي تتحدث بها صغيرات أُجبرن على الزواج في سن مبكرة توازي في انتهاكاتها وعنفها بدعة النكاح الجهادي التي وضعت المرأة في مراتب دون مستوى البشر وأجهضت السنوات الحبلى بالتضحيات من أجل حريتها وكسر قيود عبوديتها.
وفي النهاية لابد من القول أننا لا نهدف إلى تشويه الواقع ورسم صورة سوادوية لمجتمعنا المتساقط في زواريب الرذيلة والفساد الاجتماعي والعنف الجنسي والأخلاقي ضد المرأة بل نحاول أن نرفع الغطاء عن حياة الناس لنرسم بفرشاة الواقع لوحات ومشاهد حية نابضة بالحقيقة المرة التي تشرب من كؤوس علقمها ألاف النساء السوريات.
وبالعودة إلى المجتمع السوري المنهك بالتحديات والذي تبرز فيه اليوم ظاهرتين متناقضتين ففي الوقت الذي نشهد فيه تأخرا في سن الزواج أو عزوفاً عنه نشهد في الوقت ذاته زواجاً من قاصرات اختطفتهن الظروف من ساحات اللعب إلى فراش الزوجية المبكرة وهنا يحق لنا القول أن الزواج مؤسسة قائمة على المشاركة وتفهم الأخر و تشترط الوعي و النضج النفسي والعاطفي والحالة الاقتصادية الجيدة فأين الزواج في المجتمع السوري سابقاً والآن من الشروط التي تقتضيها هذه المؤسسة التي يسود في الكثير منها العنف وتزهق في يومياتها براءة الطفولة ألاف المرات ؟