إلى متى ستستمر حملة الولايات المتحدة ضد الصين؟
هناء شروف
إلى متى ستستمر حملة الولايات المتحدة ضد الصين، رغم أنها أهم علاقة ثنائية في العالم؟ من المؤكد أن الدولتين تحتاجان بعضهما البعض، وأن تعاونهما يصبّ في مصلحة العالم على المدى الطويل لأسباب ليس أقلها المساعدة على استقرار الاقتصاد العالمي، لكن بدلاً من تعميق التعاون تدهورت العلاقات بينهما وأصبحت من أكبر المشكلات التي يواجهها العالم اليوم.
يصادف الشهر المقبل الذكرى السنوية الأولى لمنتدى “بكين الدولي للديمقراطية” الذي أكد أن الديمقراطية هي قيمة مشتركة للإنسانية، وأنه لا يوجد نموذج ديمقراطي “مقاس واحد يناسب الجميع”.
وتقول الولايات المتحدة إن العالم يجب أن يخاف من الصين، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم لأكثر من ثلاثة عقود، لكنها لم تعمل على سياسات لإضفاء المزيد من الديمقراطية على العلاقات الدولية، إذ ما زالت تتصرف بشكل متكرّر كقوة استبدادية.
وتعتبر الولايات المتحدة الصين منافسها العسكري والتكنولوجي والسياسي الرئيسي، ولكنها تميل إلى نسيان أن الهيكل السياسي الصيني ونموذج ديمقراطيتها لهما خصائص صينية معيّنة، إذ تتمتّع الصين بنظام سياسي خاص بها متجذّر في ثقافتها وتقاليدها وتاريخها الثوري، ويعتمد نجاحها على تقديم السلع الاجتماعية لمواطنيها. وعلى عكس الولايات المتحدة تعتقد الصين أنه يجب على أي بلد أن يتبنّى نموذج التنمية الذي يناسبه بشكل أفضل، ولهذا السبب بغضّ النظر عن مدى تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للصين، فإنها لا تستطيع تغيير الصين على الرغم من أنها يمكن أن تزعزع استقرار العلاقات الصينية الأمريكية من خلال الاستمرار في استفزاز بكين بشأن مسألة تايوان، أو تكثيف إستراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ.
تعرّف واشنطن اليوم الصين على أنها “التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية” للولايات المتحدة والنظام العالمي الحالي، وهي تعلم أن الصين لديها نظام سياسي مختلف، لذلك من الصعب تصديق أن النظام السياسي المختلف عند الصين هو السبب الحقيقي وراء رغبة الولايات المتحدة في احتواء صعودها، وهو بلا شك إضعاف الصين حتى على حساب تقسيم العالم، وتهديد السلام في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكلّ هذا لضمان استمرار الولايات المتحدة في هيمنتها العالمية اقتصادياً واستراتيجياً.
كانت الولايات المتحدة تحاول بناء محور الدول لاحتواء صعود الصين، وذلك من خلال الادّعاء بأن النظام السياسي الصيني والحزب الشيوعي يشكلان “تهديدات للرفاهية الاقتصادية والقيم الديمقراطية للولايات المتحدة”. لكن من المثير للاهتمام معرفة أن الولايات المتحدة تنوي تحقيق أهدافها من خلال الزعم أن الصين نصف ديمقراطية ونصف سلطوية، وهي نسخة سياسية من “مينوتور” نصف رجل ونصف ثور من الأساطير اليونانية. بالنسبة لإدارة جو بايدن فإن الصين ديمقراطية بما يكفي للتعاون معها في مكافحة تغيّر المناخ، وتعزيز التنمية المستدامة، وإدارة بعض القضايا الاقتصادية العالمية، ولكنها استبدادية في التجارة والتكنولوجيا، والتنمية العسكرية، وهي المجالات التي تعمل فيها الولايات المتحدة لاحتواء الصين.
في الواقع، إن نهج الصين الأساسي تجاه الولايات المتحدة هو نهج ديمقراطي، لأن الصين لا تريد إشعال حرب باردة جديدة، ولا تريد نهاية العولمة التي تقودها منظمة التجارة العالمية، فهي لا تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها منافسة منهجية، ولا تعمل مع دول ومنظمات عالمية أخرى لبناء نظام عالمي مناهض للولايات المتحدة.
تميل بكين إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن، وكما قال الرئيس شي جين بينغ في مؤتمر الحزب الشيوعي: “على الصين والولايات المتحدة إيجاد طرق للتوافق، وحماية السلام والتنمية في العالم، والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك”.
تتبع الصين المعايير الديمقراطية القياسية في العلاقات الدولية، كما أنها ملتزمة بالمساعدة في تحسين النظام العالمي، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وهي ضد الانقسامات الجيوسياسية.
وبما أن الصين والولايات المتحدة معجبان ببعضهما البعض في العديد من المجالات بغضّ النظر عن الاختلافات الأيديولوجية بينهما، والحرب الاقتصادية الطويلة، والصراع بين روسيا وأوكرانيا، فمن المأمول أنهما سيجدان طريقة لإعادة تنشيط علاقاتهما للأفضل، ومن المحتمل أن تتخلّى الولايات المتحدة يوماً ما عن نظرتها المهيمنة على العالم، وتقبل بأن جميع الدول متساوية في العلاقات الدولية الديمقراطية، وأن النظام العالمي في حالة توازن.