ضبط حالات غسل أموال وتوثيقها رسمياً! مخلص جمركي يحرك سحوبات نقدية تجاوزت الـ25 مليون دولار و100 مليون يورو.. محادثة واتس أب تكشف حوالة مالية مشبوهة!
البعث الأسبوعية – المحرر الاقتصادي
رغم أهمية التقرير السنوي الصادر عن هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لجهة ما تضمنه من معلومات تتعلق بعمل ومهام وحدات الهيئة، إلا أن هذه المعلومات لم تكن واضحة بالشكل المطلوب، لاعتبارات ربما تتعلق بطبيعة العمل وما تقتضيه من خصوصية اضطرتها بأن تعرضها بهذا الشكل!
أياً يكن الحال، إلا أننا نعتبر أن ما سنعرضه لاحقاً مما أورده تقرير الهيئة، هو جهد مشكور لعمل على غاية كبيرة من الأهمية وإن كان في مواطن كثيرة عبارة عن خلاصات بعيدة عن كثير من التوضيحات المتوجب تسليط الضوء عليها، ولاسيما ما تضمنه من حالات وصفتها الهيئة بـ”النموذجية” استطاعت بالتعاون مع الجهات المختصة ومن خلال عمليات التحري والتحقيق القبض عليها وإحالتها للقضاء المختص.
مكتب صرافة غير مرخص
عرض التقرير ثلاث حالات نموذجية بدا واضحاً عبر سردها، أنها معقدة لاسيما لجهة ارتباطها بالخارج، وسنبدأ بالحالة الأولى، إذ بين التقرير ورود معلومات من إحدى الجهات الأمنية تفيد بقيام المجموعات الإرهابية بافتتاح مكتب صرافة غير مرخص تحت اسم “ن.ص” لصاحبه “س.ن” الذي يدير المكتب بالتعاون مع أشقاءه، ويقع الفرع الرئيسي له في إحدى المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية، وله فروع عدة في بلدات عدة في محافظتين مختلفتين، ويتم إرسال واستقبال حوالات من بلدان العالم كافة، كما أن المكتب المذكور مرتبط بأحد المجموعات الإرهابية التابعة لما يسمى الائتلاف المعارض، ويهدف إلى جمع أكبر قدر ممكن من العملات الأجنبية، وتم تزويد الهيئة ببعض الأرقام الخليوية الخاصة بهذا المكتب، وتم البحث بالإنترنت عن المكتب المذكور وتبين وجود إعلانات حول التوسع في نشاطه في الكثير من دول العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن خلال عمليات التحريات والتحليل المالي، والبحث ضمن قاعدة بيانات الهيئة، تبين وجود عدد من الحوالات المرتبطة بأحد المذكورين، ووجود إعلانات حول التوسع في نشاط المكتب في الكثير من دول العالم، وبناء عليه تمت مخاطبة المؤسسات المالية للاستعلام عن كل من المدعو “س.ن” وأشقاءه، وجاءت الردود متضمنة وجود حوالات عدة مرتبطة بهم صادرة وواردة من وإلى القطر، وبالتالي تمت مخاطبة إحدى الجهات الأمنية لبيان عائدية الأرقام الهاتفية وتبين أنها تعود لأشقاء المدعو “س.ن”، إضافة إلى قائمة تتضمن أكثر الأرقام المحلية والدولية التي تواصل معها كل من الرقمين وعدد من نصوص الرسائل التي تبين قيام مستخدمي الرقمين بتحويل الأموال من خارج القطر إلى دخله.
وبعد الاستعلام عن السجلات الجنائية لعدد من الأشخاص المستفيدين من حوالاتهم ولعدد من الأشخاص المتواصلين مع أشقاء المدعو “س.ن” تبين تورط عدد كبير منهم بالعمليات الإرهابية ووجود إذاعات بحث عدة بحق مجموعة أخرى منهم لصالح جهات أمنية عدة.
ولدى مخاطبة إدارة الهجرة والجوازات حول أرقام جوازات السفر وحركة القدوم والمغادرة للمدعو “س.ن” وأشقاءه تبين وجود عدد من حركات القدوم والمغادرة من وإلى القطر والوجهة كانت إلى بعض الدول التي تورط بعض مواطنيها ببعض العمليات الإرهابية ودعمها.
بناء على ما سبق تمت مخاطبة إحدى الجهات الأمنية وتزويدها بالمعلومات والطلب منها اتخاذ ما يلزم، وبالفعل قامت الأخيرة بتزويد الهيئة بمعلومات تفيد بتقديم عدد من الأشخاص المتعاملين مع المكتب المذكور إلى القضاء المختص بتهم عدة منها العمل في مجال الحوالات والصرافة دون ترخيص، وجرم شراء وتعاطي الحشيش المخدر وتصريف العملات في السوق السوداء بدون ترخيص، وجمع العملات الأجنبية والمعادن الثمينة من المناطق الآمنة ونقلها إلى مناطق سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة، وتمت إحالة المدعو “س.ن” إلى القضاء المختص بجرم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتجميد حساباته.
حركات مالية كبيرة
وتحدث التقرير عن الحالة الثانية والتي بدأت قصتها بورد إبلاغ إلى الهيئة من أحد المصارف العاملة في القطر حول وجود حركات مالية على حسابات المدعو “ح.ع” لا تتناسب مع طبيعة نشاطه حيث يعمل كمخلص جمركي، وبعد أن تم طلب الحسابات المرتبطة به تبين وجود عدد كبير منها عائدة لعملاء مختلفين قاموا بتوكيله لتحريكها ومن ضمنها حساب يعود لابنه “ش.ع”، كما تبين وجود حركات سحب نقدي تم تنفيذها من قبله بمبالغ كبيرة تجاوزت الـ25 مليون دولار أمريكي و100 مليون يورو دون معرفة مآل القطع المسحوب، وعمليات السحب المذكورة كانت تتم بشكل يومي وبمبالغ تتجاوز المليوني يورو أو دولار يومياً.
كذلك تبين من الحركات المالية للمدعو “ح.ع” وجود عمليات مشتركة عدة مع المدعو “م.ج” الذي يعمل موظفاً لدى أحد البنوك، حيث قام الأخير بفتح حسابات عدة لدى البنك نفسه وإجراء حركات ضخمة عليها، وبمزيد من التحريات تبين أن المذكور يعمل بتجارة مواد عدة بالاشتراك مع أحد المجموعات التجارية، كما تبين أنه على علاقة مع تاجر يحمل جنسية إحدى لدول العربية الذي اتفق معه تجارة بضاعة معينة، وتبين أيضاً من خلال أحد نماذج اعرف عميلك أن الابن “ش.ع” شريك بالمجموعة التجارية ويعمل بمنصب مدير فيها.
وفي إطار التعاون والتنسيق بين الهيئة وإحدى جهات إنفاذ القانون تم تقديم خبرة فنية حول بعض الوثائق والأجهزة الصادرة من أحد الشركات العائدة للمدعو “ح.ع” والتي يعمل فيها بعض أولاده، حيث تبين قيامهم بعمليات شراء وإقراض بالدولار الأمريكي وامتهان بيع وشراء العملات الأجنبية وتنفيذ الحوالات المالية الداخلية والخارجية بشكل غير مرخص تحت اسم شركة تجارية وهمية، إضافة لقيامهم باستئجار سجلات تجارية لآخرين واستخدامها لتكرار الحوالات الداخلية بمبالغ مرتفعة لتغطية عملهم بتوزيع الحوالات الخارجية غير المرخصة، وقيامهم بتهريب مبالغ مالية كبيرة إلى إحدى الدول الأجنبية بطرق مباشرة وغير مباشرة، وحيازتهم أختام مزورة صادرة عن مؤسسات أخرى، وكانت النتيجة إحالة المذكورين إلى النيابة العامة بجرم غسل الأموال عن الجرائم الأصلية المذكورة.
محادثة واتس أب
كشفت محادثة واتس أب خيوط الحالة الثالثة، إذ تلقت الهيئة إبلاغاً من إحدى الشركات المالية يتضمن قيام المدعو “م.ش” بمراجعة أحد فروعها في المحافظات والاستفسار عن حوالة مالية واردة له من المدعوة “ص.ل” ولدى البحث من قبل الشركة المبلغة عن الحوالة تبين عدم وجودها، فتم سؤاله عن الإشعار، ولدى اطلاع موظفة الشركة على محادثة الواتس أب تبين وجود عبارة تشير إلى احتمال ارتباطه بعمليات إرهابية، حينها قامت بإجراءات عدة مكنت الفرع من إلقاء القبض عليه من قبل إحدى الدوريات الأمنية، وتم إجراء استعلام مالي عن المذكور وتبين وجود عدد كبير من الحوالات المرتبطة به، كما تبين لدى الاستعلام عن اتصالاته الهاتفية وجود رسائل تتضمن الإشارة إلى بعض المعلومات المتعلقة ببعض التنظيمات الإرهابية، وتمت مخاطبة إحدى الجهات الأمنية للاستعلام عن سجلاته الجنائية وتبين وجود بحث بحقه لصالح أحد الأفرع الأمنية، ثم تم إعادة مخاطبة تلك الجهة الأمنية لإعلامها بتوفر معلومات لدى الهيئة حول توقيف المذكور لدى إحدى الجهات الأمنية، وجاء الرد بأنه تمت إذاعة البحث عن المذكور وسيتم موافاة الهيئة بنتائج التحقيقات والضبوط عند إلقاء القبض عليه، والنتيجة تمت إحالة المعلومات المتوفرة لدى الهيئة إلى إحدى الجهات الأمنية وحفظ الحالة في قاعدة بيانات الهيئة لحين ورود أية معلومات جديدة.
أنشطة
وعرض التقرير أنشطة وحدات الهيئة المختلفة ومتابعاتها لما يردها من إبلاغات حول عمليات مشبوهة ومعالجة طلبات الاستعلام، إذ بين التقرير أن وحدة التحقيق تلقت خلال العام الماضي 141 إبلاغاً، منها 37 إبلاغاً يتعلق بعمليات مشبوهة مختلفة، و35 إبلاغاً يتعلق بملف الحوالات المكرر وحوالات ذات مصدر خارجي، كما تلقت الوحدة 61 طلب استعلام داخلي، كما قامت الوحدة بمتابعة الحالات الواردة إليها إضافة إلى متابعة العمل على الحالات التي لا زالت قيد التحقيق من السنوات السابقة.
معالجة
عالجت وحدة جمع المعلومات المالية كل الإبلاغات عن العمليات المشبوهة وطلبات المساعدة الداخلية وكذلك طلبات المساعدة الخارجية، إذ بلغ العدد الإجمالي للحالات المنفذة خلال العام الماضي 141 حالة، منها 72 إبلاغاً في القطاع المصرفي والمؤسسات المالية “مصارف عامة وخاصة، شركات صرافة، شركات حوالات” و61 طلب مساعدة داخلية “من الوزارات والجهات الحكومية والأمنية”، و8 طلبات مساعدة خارجية “من وحدات التحريات المالية الخارجية النظيرة”.
متابعة
كما تابعات الوحدة التصاريح الجمركية الواردة إلى الهيئة من الأمانات الجمركية وتم إدراجها في البرمجية، بلغ عدد التصاريح خلال العام الماضي 196 تصريح، “189 تصريح قدوم و7 تصاريح مغادرة”.
وتابعت الوحدة بوالص التأمين الواردة إلى الهيئة من شركات التأمين العاملة كافة، وتم إدراجها في جداول الإكسل الخاصة، وبلغ عددها 1381 بوليصة، إضافة إلى ترحيل بيانات الحوالات في برمجية التحقق وفقاً للصيغ لقياسية من المصارف وشركات الصرافة والحوالات المالية الداخلية، ومتابعة مدى التزام الشركات والمصارف بتزويد الهيئة بالبيانات حسب الصيغ القياسية، وإعداد تقرير التزام شامل خاص بالصيغ القياسية.
وعالجت الوحدة كل طلبات الاستعلام الواردة من ضمن وحدات الهيئة ومن مديريات المصرف المركزي للاستعلام عن أشخاص وشركات أو البحث في برمجية الحوالات أو قوائم السجل التجاري أو القائمة الوطنية للإرهاب وبكل قاعدة بيانات أو جداول مخصصة للبحث في الوحدة، إضافة للقيام بإعداد التقارير الإحصائية اللازمة لموافاة رئيس الهيئة والجهات الدولية النظيرة بتقارير سنوية عن أعمال الهيئة، ومعالجة طلبات التسوية الواردة من فروع المصرف المركزي فيما يخص قائمة الممنوعين من التحويل، وإعطاء ترميز للمنظمات الدولية كافة ومنظمات الأمم المتحدة وشركات الحوالات وفروع البنوك وشركات الصرافة في برمجية التحقق، إضافى إلى العمل بملف الحوالات المكررة من ناحية الاستعلام عن أسماء مكرري الحوالات واستتخراج تقارير إكسل بالحوالات والإبلاغات، والعمل على موضوع القوائم التفصيلية للعملاء ذوي المخاطر المرتفعة الواردة من شركات الحوالات المالية وشركات الصرافة، إلى جانب القيام بدورات تدريبية على برمجية التحقق للمصرف الصناعي، وكذلك دورة تدريبية في مركز التدريب لمصرفي.
رقابة
أما وحدة التحقق من الإجراءات فقد تابعت مهامها ذات الصلة بالتأكد من التزام المؤسسات المالية والمصرفية والأعمال والمهن غير المالية وغيرها من الجهات المعنية بالمتطلبات المفروضة عليها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك من خلال أعمال الرقابة المكتبية والميدانية على الرغم من تأثر تلك الأعمال بشكل ملحوظ بسلسلة الإجراءات التي اتخذتها سورية لمكافحة تفشي فيروس كورونا، وتجسدت تلك المهام بتنفيذ أعمال الرقابة المكتبية من خلال دراسة التقارير التي أُعدت من قبل مراقبي الجهات الإشرافية المختصة فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإعداد خلاصات عنها ورفعها أصولاً مع المقترح المناسب إلى لجنة إدارة الهيئة.
وقامت وحدة التحقق من الإجراءات بدراسة التقارير والاستبيانات التي أعدت من قبل مسؤولي الإبلاغ المعينين والمعتمدين لدى المؤسسات المصرفية والمالية ولاسيما تقرير تقييم المخاطر والتقارير المرفوعة إلى مجلس إدارة تلك المؤسسات والتي تظهر مدى الالتزام بالمتطلبات ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإعداد خلاصات عنها وعرض النتائج مع المقترحات وفرض الإجراءات الفعالة والرادعة أحياناً، إضافة إلى تقديم التغذية العكسية التي تشمل الإرشادات والتعليمات التي تضمن تعزيز الالتزام.
ورفع الوحدة الاقتراحات والتوصيات حول تفعيل أعمال الرقابة المكتبية والميدانية ووضع وتعديل إجراءات وأنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومتابعة إجراءات تعيين مسؤولي الإبلاغ لدى عدد من المؤسسات المالية والمصرفية، وقد بلغ عدد هذه المتابعات 6 لدى القطاع المصرفي، و6 لدى القطاع المالي “شركات صرافة وشركات تأمين”.
ونفذت الوحدة مهاماً رقابية ميدانية من خلال زيارات ميدانية لعدد من المؤسسات المالية والمصرفية والمهن غير المالية، وذلك بناءً على مقاربة مبينة على المخاطر، بهدف تقييم الإجراءات المطبقة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة إلى التعاون والتنسيق مع الجهات الإشرافية المختصة وجهات إنفاذ القانون والضابطة العدلية لدى مصرف سورية المركزي لتنفيذ مهمات خاصة تستهدف من يزاول أعمال الصرافة غير المرخصة وتوزيع الحوالات المالية بدون ترخيص.
كما اتخذت الوحدة إجراءات فعالة ومناسبة ورادعة من خلال فرض جزاءات إدارية وغرامات مالية على بعض المؤسسات المالية والمصرفية المخالفة للالتزامات المفروضة عليه، إذ طال عدد من البنوك الخاصة والعامة ومصارف تمويل أصغر 3 تنبيهات، وفرض على أخرى 18 مليون ليرة غرامات مالية، كما طال إحدى شركات الحوالات المالية الداخيلة تنبيه، وأخرى تنبيهان، وتم إيقاف 9 شركات، فيما فرض على إحداها غرامة بقيمة 2 مليون ليرة.