قلق الغرب من الجوع العالمي… نفاق وسخرية على الملأ
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
من السخف إلقاء اللوم على موسكو لاستخدامها “الغذاء كسلاح”، في حين أن أولئك الذين يوجهون أصابع الاتهام لموسكو، هم نفس الأشخاص الذين يمنعون روسيا من تصدير السلع.
يبدو أن التفكير الملتوي لقادة الناتو، والدول الغربية، ووسائل الإعلام التابعة لا يعرف حدوداً، فقد سارعوا منذ بداية العملية العسكرية لروسيا في أوكرانيا، باتهامها بالعدوان غير القانوني، ثم اتهامها بالتهديد باستخدام الأسلحة النووية، وتفجير خطوط أنابيب الغاز التي تملكها، والأكثر وضاعة اتهامها باستخدام الغذاء كسلاح ضد الملايين من الجياع في العالم.
تقوم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بشيطنة روسيا، وتدفع وسائل الاعلام لتوجيه الاتهامات الكاذبة عبر مقالات وتحليلات إخبارية مبتذلة لحرف الحقائق الأساسية، مثل: الدور التخريبي للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في تسليح أوكرانيا لمدة ثماني سنوات، ودعم الانقلاب من وكالة الاستخبارات المركزية في كييف عام 2014 لوصول نظام نازي جديد معادي لروسيا إلى السلطة.
كما تتجاهل وسائل إعلامهم، تحذيرات روسيا المتكررة من خطر تصاعد الحرب التي يغذيها حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا إلى كارثة نووية، بينما تواصل نشر المخاوف بلا هوادة ما تدعي أنه “مخطط” روسيا لشن هجوم نووي.
في الواقع، هذه هي الخلفية الدعائية لنظام كييف الذي يعيد حادثة “العلم الكاذب” باستخدام “قنبلة نووية قذرة”، كما يتمثل جانب آخر من هذا الواقع المتحول رأساً على عقب، بالاستهداف المتكرر لنظام كييف لمحطة زابوروجيا للطاقة النووية المدنية بصواريخ الناتو لإحداث كارثة إشعاعية، فضلاً عن تفجير أنابيب الغاز “نورد ستريم” تحت بحر البلطيق في 27 أيلول الماضي، وإتهام روسيا بتخريب بنيتها التحتية المملوكة لروسيا حيث استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في أكثر من 10 سنوات.
مؤخراً، ادعت مرة أخرى بأن روسيا كانت تحتجز الغذاء عن الدول الجائعة في العالم للحصول على فدية بعد أن أعلنت موسكو أنها ستعلق مشاركتها في اتفاق تصدير البضائع للصادرات الزراعية ومنها القمح من موانيء على البحر الأسود، حيث سارع الرئيس الأمريكي جو بايدن بالقول: “إن إلغاء روسيا اتفاقية الحبوب في البحر الأسود كان شائناً، وأن هذه الخطوة ستفاقم من خطر المجاعة”.
كما انتقد كبير الدبلوماسيين الأمريكيين أنطوني بلينكين روسيا بسبب “تسليح الغذاء مرة أخرى”، كما يدعي. ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور قولها: “أي محاولة لتقويض الاتفاقية هي بمثابة الهجوم على العائلات الجائعة في جميع أنحاء العالم التي تعتمد حياتها وسبل عيشها على هذه المبادرة”.
كانت روسيا مؤخراً علقت- لفترة وجيزة- اتفاق تصدير الحبوب من مؤانيء البحر الأسود بعد هجوم جماعي بطائرات بدون طيار استهدفت مرافق الموانيء الخاصة بها في سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، نفذه نظام كييف بمشاركة خبراء بريطانيين ضد سفن في أسطول البحر الأسود، وسفن مدنية تشارك في ضمان أمن ممرات نقل الحبوب، حيث وجهت روسيا أصابع الاتهام إلى بريطانيا بالضلوع في تدريب وإمداد وحدات من قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، بما في ذلك لغرض تنفيذ عمليات تخريبية في البحر، وطالبت لندن بالتوقف عن ذلك فوراً.
وفي بيان الخارجية الروسية، ذكرت أنه بعد استدعاء السفيرة البريطانية في موسكو ديبورا برونرت على خلفية تورط بريطانيا في الهجوم الإرهابي الذي استهدف سفن أسطول البحر الأسود الروسي في سيفاستوبول، تم تقديم احتجاج شديد اللهجة فيما يتعلق بـالمشاركة النشطة للمتخصصين العسكريين البريطانيين في تدريب وإمداد وحدات من قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، بما في ذلك لغرض تنفيذ عمليات تخريبية في البحر. وأضافت الخارجية أنه تم تقديم “حقائق ملموسة” للسفيرة تثبت ضلوع لندن في مثل هذا النشاط.
ومن الجدير بالذكر، تورطت القوات البحرية البريطانية الخاصة، والقوة الجوية الأمريكية سابقاً في الانفجارات التي دمرت خطوط أنابيب “نورد ستريم”.
وللإشارة، تم التوصل إلى اتفاق تصدير الحبوب الذي تقوده الأمم المتحدة في تموز الماضي، حيث وافقت روسيا على تسهيل المرور الآمن لشحنات الحبوب من موانئ البحر الأسود بشرط عدم استخدام الممرات الملاحية لأغراض عسكرية. وتضمن جزء أساسي من الاتفاقية أيضاً السماح لروسيا بتصدير الحبوب والأسمدة، ونظراً لأن مساهمة روسيا في الأسواق العالمية لهذه السلع الزراعية أكبر بكثير من مساهمة أوكرانيا، فسيكون ذلك أكثر أهمية من حيث زيادة الإمدادات والحفاظ على انخفاض الأسعار.
ومع ذلك، فقد تم انتهاك اتفاقية الشحن التي توسطت فيها الأمم المتحدة، ويبدو أن الهجوم بطائرات مسيرة على سيفاستوبول، قد تم دعمه وتحريضه من خلال عملية عسكرية سرية استغلت الممرات الآمنة التي ضمنتها روسيا.
كما أنه على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، لم تفي صفقة تصدير البضائع بوعودها برفع العقوبات الغربية عن روسيا من أجل تسهيل نقل الحبوب والأسمدة إلى الأسواق العالمية. وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، وحلفاؤها في الناتو قلقين حقاً من الجوع العالمي ومصير الملايين، فلماذا تستمر هذه القوى في إعاقة الصادرات الزراعية لروسيا؟.
إنه لأمر شائن بقدر ما هو سخيف أن تلقي هذه الدول باللوم على موسكو، في حين أن الأشخاص الذين يوجهون الاتهامات هم نفس الأشخاص الذين يفجرون الممرات الآمنة، ويمنعون روسيا من تصدير السلع، بل هم نفس الأشخاص الذين يتهمون روسيا باستخدام الطاقة كسلاح أثناء تفجير خطوط الأنابيب إلى أوروبا، وهي الدول نفسها التي استأثرت بالحصة الأكبر من صادرات الغذاء من البحر الأسود خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إذ تشكل الصادرات إلى البلدان الأفريقية والآسيوية حوالي 3 في المائة فقط من الإجمالي المسموح به بالمرور، حيث يتم التحكم في سوق الغذاء العالمي من قبل حفنة من الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، وقد تسببت المضاربة في السوق وكذلك سياسة “الدولار القوي” في الولايات المتحدة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية.
إن حالة الضعف التي يعانيها فقراء العالم أمام الجوع، متجذرة في النظام الرأسمالي العالمي الذي تحاول واشنطن وحلفاؤها بشكل يائس دعمه. ولهذا يرى مراقبون إن إيجاد حلول لهذه المشاكل ممكن من خلال الإرادة السياسية والنزاهة الأخلاقية، لكن النخب الغربية ليست مهتمة بالحلول كما يظهر بوضوح نفاقها المذهل وسخريتها.