مجلة البعث الأسبوعية

قناة العاشق من سلمية إلى أفاميا نموذج الشهامة في الحب

البعث الأسبوعية- حسان المحمد

أساطير محلية متعددة رويت عن قناة العاشق التي اكتشفتها بعثة بلجيكية عام 1932 والتي ظهر منها حوالي 60متراً، ومن هذه الأساطير أسطورة عشق أمير السلمية التي تقع على تخوم بادية الشام، لابنة أمير أفاميا والتي اشترطت مهرها بالزواج منه بحفر قناة ري لجر المياه، والتي تبدأ من ينابيع الزرقاء في السلمية مدينة الأمير إلى أفاميا مدينة الأميرة، والتي كانت تعاني من العطش نتيجة شح المياه والمصادر المائية وبسبب شدة حبه وتعلقه بالأميرة، قبل الأمير بالشرط، وعمد إلى توظيف كل إمكانيات إمارته وعمالها لشق قناة يصل طولها إلى 150 كم، أخذت شكلاً متعرجاً وهندسياً متقناً.

وقال حازم جركس رئيس دائرة آثار حماة إن لهذه القناة قصة تعد من أغرب وأعجب قصص التاريخ التي يمتزج فيها الخيال بالحقيقة والواقع بالأسطورة مفادها بأنها تحكي قصة أمير وقع في حب ابنة ملك أفاميا التي أصابها العطش والجفاف فكان مهرها من ابن أمير السلمية إرواء أفاميا، وتؤكد الأبحاث والمعلومات أن القناة تعبر تعرجات جغرافية معقدة أقيم عليها ١٢جسراً، وتتاز بقيمة هندسية وإنشائية عالية، إذ تعد من أطول القنوات في المنطقة الوسطى.

وتعرضت قناة العاشق إلى الغزوات والزلازل ٥٥١-١١٥٧م، واستخدمت للري والشرب وصلت إلى بساتين حماة عبر خط أفاميا وطواحين الماء، وقد أصلحت القناة ٧ مرات، وعن مسار قناة العاشق قال جركس بأنها تبدأ من الجهة الغربية لمدينة السلمية بالمكان المعروف بعين الزرقاء، وهناك ساقيتان لقناة ممتدة نحو الغرب بشكل ظاهر إلى مسافة 1.5كم غربي السلمية ثم تتحدان معاً وتشكلان ساقية واحدة تشق طريقها لمسافة 5كم إلى المكان المعروف بالوشواشة حيث يشاهد آثار طاحونة مائية قديمة متهدمة.

وتتابع القناة مسيرها قاطعة مسافات كبيرة فتدخل إلى وسط مدينة أفاميا ومن جانبها الشرقي واضحة على قنطرة ممتدة للجنوب، وفي قلب أفاميا أقيم لها خزانات تتفرع منها عدة فروع يصل أحدها على خزان كبير مبني من الآجر، ويقع خلف البناء المعروف بدار السعادة أمام القلعة من الشرق ومن غير المستبعد وصول الماء لما تحت القلعة ليرتوي منه قديماً إذ يُرى داخل القلعة صهريج عميق جداً قدر عمقه بعمق سطح القناة الممتد لأول القلعة، وانصبابها في الخان القريب من الخندق ومن اليسر إسالة الماء من هذا الخزان إلى مجرى آخر يتصل بهذا البئر.

ولفت جركس بأنه من يتتبع مسار مجرى قناة العاشق من بدايتها من عين الزرقاء في مدينة السلمية إلى نهايتها ومصبها في مدينة أفاميا يقف مشدوهاً لوعورة المسالك واجتياز المرتفعات والوديان والمزارع والحقول لا يلازم الطرق المسلوكة.

وأن الوصف المعماري والإنشائي لقناة العاشق حيث تبلغ المسافة بين مدينة السلمية وأفاميا 85كم وإذا أُضيف التعاريج والتلافيف التي سارت فيها القناة، حسب طبيعة الأراضي والمرتفعات التي تقتضي الضرورة السير فيها، فلا بد من إضافة حوالي 65كم فيكون طول مجرى قناة العاشق من بدايتها إلى نهايتها حوالي 150كم، أما عرض المجرى من الداخل، الذي يتغير من بداية القناة حتى نهايتها فهو 60سم بينما عمق المجرى فيختلف بين متر وثلاثة أمتار، أما طراز بنائها فقد شيدت في السهول من القرميد ورقيق الحجارة المدعومة بالملاط القوي وشقت في المرتفعات الصخرية نقراً بصورة منتظمة وسقفت بنفس الطريقة التي أُنشئت عليها.

وفي الأودية أُقيمت لها جسور بلغ عددها 12 جسراً مدت القناة على ظهر الجسور حسب مجراها العام لأن القرميد مع صغائر الأحجار الممزوجين بالملاط أضمن لحفظ الماء أثناء الجريان.

وأخيراً، لقد تعذر معرفة تاريخ انقطاع ماء قناة العاشق عن مدينة أفاميا بالضبط ويرجح أنه وقع منذ خراب المدينة بالزلزال الكبير الذي أصاب المنطقة وسمي بالزلزلة الحموية الكبيرة سنة 551هـ-1157م إلا أن هذا الانقطاع لم يقع عليها بأجمعها بل كان مقتصراً على القسم مابعد حماة إلى أفاميا ولم تقطع عن حماة بعد أن حولت إليها إلا بمنتصف القرن الحادي عشر الهجري والسبب يعود للإهمال.

من جانبه أكد حسين ديوب عضو الجمعية العلمية التاريخية بحماة  أن قناة العاشق أسطورة واقعية وشواهدها دالة عليها بالصور وأثارها الدالة عليها، وهي منهج حياة وإنسان لأنها ترجمت الحب إلى فعل فعززت الوفاء وترجمت الهدف إلى إرادة فعززت العزيمة وترجمت الخطة إلى تصميم فعززت الفكر وترجمت العلاقة الثنائية إلى فعل جماهيري فعززت الأسروية بالإنجاز، مشيراً إلى أن قناة العاشق نموذج الشهامة في الحب ونموذج الوعد بالوفاء ونموذج التواصل الاجتماعي بقناة تروي ظمأ الآخر ونموذج للفظ المستحيل بالإرادة.

وعبر ديوب بأبيات شعرية  قائلاً:

هذي سلمية فلبتسم فرحاً

واملأ جوى من عطرها قدحاً

ما مرّ شخص في الثرى ثمل

إلا ارتوى من خمرها فصحاً