“الورود المخرزة” فن الحياة بخيوط النحاس وحبات الخرز
البعث الأسبوعية- محمد محمود
منظر جميل لوردة غريبة تحمل اسم زهرة زنبق الأمازون، تتأملها لدقائق وتمعن النظر فيها، كما تفعل مع تشكيلات مماثلة من الورود والأزهار وبعض سنابل القمح الموزعة في مشغل الحرفية ثراء أحمد قبل أن تكتشف السر، ليست النسج والأوراق والورود من تشكل هيئة هذه النباتات الفريدة أو حبات القمح، وليست المياه من تسقيها وتمنحها تلك النضارة والإشراق، لكنها عشرات الآلاف من حبات الخرز الملونة توزعت بدقة متناهية على تشكيلات من خيوط نحاسية لتمنح تلك القطع الفنية سر الحياة بعد أن سقيت بمياه الجهد والتعب المتواصل من الحرفية ثراء التي أتقنت فنا يدعى “فن الزهور الفرنسية المصنعة من الخرز” فتفردت وتخصصت فيه في محافظة طرطوس.
قبل ثلاثة عشر عاماً بدأت ثراء بتجربة ومحاولة صناعة بعض الزهور كنوع من التسلية، فنجحت كما تقول بصناعة بروش على شكل وردة يمكن تعلقيه على قطعة ملابس، وكانت فكرة جميلة وناجحة، وعندما نجحت فكرتها بدأ الفضول والدافع لتطويرها، وصناعة وردة ثانية وثالثة، فنجحت أفكارها أيضاً لكن العمل كان ضعيفاً جداً بسبب نقص الخبرة ورداءة نوع الأسلاك والخرز، ومع تكرار المحاولات والعمل بأوقات الفراغ بدأت نتائج العمل تتطور تدريجيا وبدأت الإضافات عليه من خلال متابعة مواقع التواصل الاجتماعي والبحث عن نماذج مشابهة لأعمال بالخرز أو أسلاك النحاس، وكانت المفاجأة أن ما تقدمه من عمل هناك أشخاص في دول أخرى متخصصون فيه وهو فن قائم بحد ذاته بدأ في فرنسا ويحمل اسم فن الزهور الفرنسية “المخرزة” وهو فن قديم بدأ منذ القرن الخامس عشر، فتواصلت ثراء مع مجموعات على الانترنت للاستفادة منها بالخبرات خاصة مع عدم وجود أعمال مشابهة في سورية فتواصت مع فنانين من إيطاليا والنمسا والسويد أهمهم: “راغنر ليفي، ودالبن كيلي” وهم فنانون متخصصون في هذه الحرفة، ليكون أول ظهور لهذا الفن بمشاركة ببازار “من إيدك أحلى” قبل أعوام، فكانت تجربة جميلة، وخطوة جريئة وكان هناك تشجيع كبير، وردود أفعال الناس كانت دافعة نحو التقدم رغم أن كل ما قدمته حينها كان يذهب كهدايا وتذكارات للأصدقاء والمقربين.
لاحقاً انتسبت ثراء لجمعية الحرفيين وتقول: اشتركت بمعارض مختلفة فشاركت بمعرض دمشق الدولي “جناح المهن اليدوية التابعة لوزارة السياحة”، وكان أول معرض لي بمركز ثقافي طرطوس بحضور لافت ومميز، وكانت نصائح الجميع بحماية هذا العمل وتطويره والمطالبة بدعمه، فلكل مهنة لها شيخ كار، وهذا العمل الجميل من الجيد أن يكون له رواد ومتابعين ومتخصصين، وأمنيتي أن أقوم بنقله وتعليمه لآخرين.
وعن الصعوبات التي واجهت الحرفية ثراء أحمد تقول: كما في أي مهنة لدي اليوم مشكلة كبيرة في تأمين المواد خاصة عند محاولة تشكيل التدرجات اللونية التي تضفي بعداً جمالياً على اللوحة أو العمل الفني، كما أن نوعية الخرز المستخدم يسهم في جمالية القطعة فالخرز الصيني يختلف مثلاً عن الخرز التشيكي النخب الأول، والذي أحاول استخدامه في معظم الأعمال، كما أن الأدوات المستخدمة في هذه المهنة ربما تبدو أدوات بسيطة وهي الخرز والنحاس لكنها في الوقت نفسه لها قياسات وألوان وأنواع عديدة، واليوم الأسلاك النحاسية الملونة غالية جداً لذا اعتمد على أسلاك لف المحركات، وأسلاك كابلات الكهرباء، وبعض الأنواع من الأسلاك يتغير لونها مع الوقت لذا أقوم بطلائها.
وتضيف أحمد أن أكثر ما يميز أي عمل ويساهم بنجاحه هو الاهتمام بكل قطعة ومنحها ما تستحقه من الإبراز وطريقة التقديم ففي الدول الأوربية يهتمون بالطبيعة الدقيقة للحرفة ويتم إبراز كل قطعة بصندوق منفرد ليظهر جماليتها.
وتختم الحرفية بعتب على جمعية المهن اليدوية بطرطوس في أنها لم تنصف عملها كما يجب وتطالب بالتكريم، وبقيامها بدورات متخصصة لتعليم هذه المهنة لبعض الأشخاص خاصة أنها فن جديد ولديه الكثير من المعجبين، وإمكانية تسويقه لدول أخرى ممكنة للغاية، ومردوده المادي جيد جداً.