أداة لا أخلاقية
علي اليوسف
لا تزال أساليب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تعاطيها مع الملف الكيماوي السوري موضع سخرية، فالجميع على قناعة بأنه تمّ فبركة هذا الملف باعتراف اللجنة الأممية، والتي كان من أهم نتائجها إقالة خبيرين منها يشهد لهما العالم بالنزاهة والمعرفة.
ومؤخراً، أعرب نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، عن استياء موسكو من تعاطي المنظمة مع هذا الملف، وقال خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن سورية: “ما زلنا غير راضين بشكل قاطع عن منهجية الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تعتمد في تحقيقاتها على معلومات من مصادر متحيّزة معارضة للحكومة السورية، وتجمع بياناتها عن بعد، وبناءً عليها تستخلص استنتاجات بأسلوب الاحتمال الكبير “محتمل جداً”، مع إعطاء كلّ هذا الخيال للحصول على أدلة دامغة”.
ما يرمي إليه هذا الكلام هو أن الأساليب التي تتبعها المنظمة المنحازة تعتبر انتهاكاً علنياً لمبادئ المنظمة، وتطبيقاً لمعايير مزدوجة، فضلاً عن عدم فاعلية التحقيقات بأثر رجعي، وبالتالي فإن عدم تصويب الكذب الذي ساقته المنظمة يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها ذاهبة إلى الزوال عبر انحلالها اللا أخلاقي، والذي بات أمراً لا رجوع فيه.
كانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في معظم تاريخها المبكر منظمة دولية غير معروفة تتحقق بهدوء من تدمير مخزونات حقبة الحرب الباردة، كما هو مطلوب بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية. لكن خلال السنوات الماضية باتت المنظمة بؤرة لأزمة عالمية، وخطاً أمامياً في مواجهة أوسع بين الغرب وروسيا. وبمجرد افتعال أزمة الأسلحة الكيميائية في سورية، قامت المنظمة بتحول غير معهود، وانتقلت من كونها مجرد هيئة قياسية لمراقبة الأسلحة لتصبح أداة لا غنى عنها!.
صحيح أن المنظمة -مقرها في مدينة لاهاي الهولندية- يناط بها تنفيذ وتطبيق حظر الأسلحة الكيميائية حول العالم، إلا أن ذلك لا يخفي حقيقتها غير المعلنة، والتي تتكشفت بواطنها من القرارات المسيّسة التي تتبع الأهواء الأمريكية منهجاً لتقاريرها، ولعلّ خير مثال على ذلك الحرب الإرهابية على سورية والتي شكلت مسرحاً للبدء بتحركات بعض ممثلي هذه المنظمة التي دأبت على الانحياز لقرارات بعض الدول، وبات لها ارتباطاتها الخاصة بأجندات تقتضيها التطورات الطارئة في المنطقة.
لقد ظهرت مسألة استخدام الكيماوي كبند إضافي للنيل من الدولة السورية، على الرغم من التقارير الموثوقة التي تؤكد أن المجموعات الإرهابية استخدمت أسلحة محرمة دولياً وفق مسرحية أميركية لتوجيه الاتهام للدولة السورية، وبالتالي توظيف هذا الاتهام في الاستثمار السياسي، حيث ظهر هذا الاستثمار على شكل ما يُسمّى “منظمة الخوذ البيضاء”، والتي أكدت التقارير الصادرة عن عدة دول أنها تضمّ جماعات من الإرهابيين الذين يقومون بتمثيل الأدوار لتكون تقاريرهم الأدوات لاستمرار الضغط على الدولة السورية.
إن إعادة هذا الملف في الوقت الحالي تعني بالضرورة أن الحرب المفروضة على سورية تتخذ مناحي جديدة، بهدف تعقيد مسار الحلول، وإطالة أمد الحرب، والإمعان بإغراق الشعب السوري بالأزمات، لكن لم يدرك المخرجون ولا الكومبارس أن الشعب السوري والدولة السورية عصيّان، بل أقوى مما يحاك ضدهما.