استراتيجية ببصمة أمريكية
عناية ناصر
ذكرت هيئة الإذاعة الكندية “سي بي سي” أن كندا ستصدر تقرير إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ “الذي طال انتظاره”. ووفقاً للهيئة ليس من قبيل المصادفة توجّه الوزراء الكنديين إلى واشنطن للتباحث حول المسائل المتعلقة بالتجارة مع الحلفاء، ومسألة الانفصال عن الصين. وعلى الرغم من أن تفاصيل التقرير لم تتضح بعد، إلا أن هيئة الإذاعة الكندية أشارت إلى أن الإستراتيجية ككل تتمحور حول “التطلع إلى دعم واشنطن”، وإلى أن وجهات نظر أوتاوا بشأن الصين تتطابق بشكل خاص مع تلك التي يتبناها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين. وفي حال كان الأمر كذلك، فإن تلك الاستراتيجية ستكون مؤسفة ومخيبة للآمال.
يرجع التأخير في إصدار تقرير الإستراتيجية في جزء كبير منه إلى “النقاش الداخلي المكثف”، حيث تظهر أوتاوا عقلية متشابكة ومعقدة حول ما إذا كان يجب وضع استراتيجية الصين في استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الجديدة، أو حتى ترك استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ “تدور حول الصين” ودفع كندا إلى صدارة الجهود الأمريكية لمواجهة الصين.
لقد أبدت واشنطن نفاد صبرها واستياءها الواضح من صمت كندا بشأن استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ، حيث قال ديفيد كوهين، سفير الولايات المتحدة في كندا، إن الجميع ينتظرون أن تصدر كندا إطار سياستها العامة تجاه الصين. وفي ذات السياق انتقدت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية كندا التي تعتبر “الحليف الوديع المخيب لآمال الولايات المتحدة”، لاتباعها “استراتيجية محايدة” تجاه الصين. ونتيجة لتأثير واشنطن وضغطها، دعا بعض السياسيين الكنديين إلى أنه إذا “فقد الحلفاء الثقة” قد تصبح كندا حليفاً من الدرجة الثانية في تحالف “العيون الخمس”. وقد بدا من الواضح في الآونة الأخيرة، أن تحركات كندا السلبية المتزايدة تجاه الصين مرتبطة بضغط واشنطن.
بوصفها دولة ذات سيادة، ينبغي أن يكون لكندا خياراتها الخاصة، فلو دقق صانعو السياسة في أوتاوا في التقرير الذي نشره موقع “وول ستريت جورنال” الذي ينتقد الولايات المتحدة لأدركوا أن الولايات المتحدة تنأى بنفسها عن حلفائها وتتخلى عنهم عندما تريد ذلك.
وفي سياق متصل قام السياسي الراديكالي في واشنطن، جون بولتون، بالتحريض على زيادة الخلافات بين الصين وكندا، والتي مازال تأثيرها مستمراً حتى يومنا هذا. لقد تجسد الحقد السياسي الغربي غير الموضوعي تجاه الصين من خلال أفعال كندا الخبيثة تجاه الصين، حيث أصبحت كندا أداة أمريكية فقدت إرادتها الذاتية.
لكن كيف نشأت مثل هذه العبثية؟ ألا يجب أن يكون هذا النوع من “التحكم عن بعد” غير المقبول لأي دولة ذات سيادة، يسترعي انتباه كندا ويدفعها إلى تعديل وتجنب القرارات ذات الصلة وآليات العمل؟.
إن ما يراه الناس الآن هو أن كندا لا تزال “تتبع خطى واشنطن”، وتتخذ زمام المبادرة لوضع نفسها في ذات الخط المتشدّد لواشنطن ضد الصين. لكن من خلال اتباع هذا الاتجاه، ستجد كندا نفسها في وضع أضعف أو حتى أكثر إذلالاً أمام واشنطن إذا سارت في هذا الاتجاه، وليست هذه هي النتيجة التي تريد رؤيتها الغالبية العظمى من الكنديين.
تعتمد كندا بشكل كبير على الولايات المتحدة اقتصادياً وأمنياً، ويمكن القول إن شريان حياتها في قبضة الولايات المتحدة، ولذلك لن تتردد واشنطن في الضغط على كندا عندما تحتاج إلى ذلك. لكن التعرض لضغوط من الولايات المتحدة شيء، وأخذ زمام المبادرة لتلبية احتياجات الولايات المتحدة شيء آخر. فكندا ليست الدولة الوحيدة التي تجبر على القيام بأفعال قسرية من قبل الولايات المتحدة من حيث الاقتصاد والأمن، بل هناك العديد من الدول التي لم تتخل طواعية عن إصرارها وسعيها للحصول على الاستقلال الدبلوماسي. لقد اعتادت كندا على تحقيق التوازن في الماضي، ولذلك لا ينبغي لها أن تختار “الخضوع الاستراتيجي” لمجرد أن واشنطن تمارس المزيد من الضغط عليها.
كما أن كندا ليست الولاية الـ 51 للولايات المتحدة، وليس عليها أي التزام ويجب ألا تكون على استعداد لأن تكون أداة واشنطن السياسية والتابع لها، لأنه من المؤكد إذا اتبعت كندا الولايات المتحدة في استراتيجيتها الخارجية، فإن قيمتها كدولة ذات سيادة ستتراجع بشدة، وهذا التراجع يحدث بالفعل. فقد أطلقت كندا مؤخراً بتحريض من الولايات المتحدة مؤخراً سلسلة من الإجراءات غير الودية ضد الصين، مما أدى إلى توقف التعاون التجاري العادي بين الشركات الصينية والكندية باسم الأمن القومي، وهذا لن يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الكندي فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى الإضرار بسمعة كندا الوطنية.
يأمل العديد من الخبراء والمحللين السياسيين أن تتمكن كندا من الابتعاد عن ظلال السياسيين في واشنطن، وجعل السياسة الخارجية قائمة على مصالحها الخاصة، وبذلك فقط يمكن أن يُنظر إلى هذه السياسة الاستراتيجية على أنها “إستراتيجية” ومرحب بها من قبل المجتمع الدولي.