هنادة الصباغ.. دُماها من كرتون والأصداء عربية
أمينة عباس
ما زالت أصداء معرض “دمى من كرتون” الذي احتضنه غاليري البيت الأزرق تتردّد في الأوساط الفنية والثقافية في سورية والوطن العربي، وهو التجربة السورية والعربية الأولى في هذا المجال، وقد أجمع كلّ من حضر المعرض بشكل شخصي أو تابعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن ما ضمّه من دمى كانت أعمالاً مدهشة على صعيد التنفيذ وتستحق العرض على مستوى عالمي، ولم يكن غريباً على مُشرفته الفنانة هنادة الصباغ خوض مثل هذه التجربة الجديدة، وهي المعروفة بشغفها بعالم الدمى والتي عوّدت متابعيها على تقديم كلّ ما هو جديد ومدهش في هذا المجال. من هنا كانت الورشة التي سبقت المعرض مجرد تجسيد لفكرة كانت تراود مشرفَته منذ سنوات ومهّدت لها بسلسلة من المحاولات الشخصية التي كانت تقاطعها مع أعمال فنانين عالميين عملوا بالمبدأ نفسه في دول أوربا، كان الورق والكرتون مادتها الأساسية، ولم تتفاجأ هنادة الصباغ من الردود الإيجابية جداً على المعرض وهي التي كانت واثقة بما أنجزته مع المشارِكات، وقد كانت معهم خطوة بخطوة في الورشة التي استمر العمل فيها لمدة شهرين وضمَّت خريجات ومدرّسات في كليات الفنون وبعض العاملين في مسرح العرائس وإحدى المهندسات.
البيت الأزرق
تبيّن هنادة الصباغ في تصريح لـ “البعث” أنها تعمل على هذه الورشة منذ سنوات، وكانت المادة الخام الكرتون تدهشها في كل مرة لغناها وقدرتها الكبيرة على التطويع والتي تقدّم في كل محاولة نتائج مختلفة، مشيرة إلى أن الكرتون مادة موجودة بيننا، لكنها مكتَشفة فنياً حتى في الخارج، وكانت لها تجربة سابقة لصنع دمى من الورق في مسرحية “حياة من ورق”، وهي منذ تلك المرحلة وحتى الآن كان عملها متواصلاً على هذه النوعية من الدمى، مستفيدة من ورشات لها علاقة بالدمى الورقية التي شاركت فيها في الخارج عندما كانت تدرس في روسيا لنيل الماجستير، منوهة بأن مشروع الورشة التي أنتجت معرض “دمى من ورق” كان من المفترض أن يكون أكبر من ذلك، وكانت الفكرة في البداية إقامتها مع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، إلا أن ظروفاً عديدة حالت دون تحقيق ذلك، مشيرة إلى أن الإمكانيات المادية حالتْ دون تنفيذ مشروع “دمى من كرتون” كما يجب أو كما تطمح، ولا تنكر أنها في البداية حاولت الحصول على تمويل خارجي إلا أنها لم توفق، كما لجأت إلى بعض أصحاب رؤوس الأموال لتمويله ولم تجد تجاوباً مع فكرتها، لذلك تحمّل البيت الأزرق والمشارِكات وهي كلّ التكاليف المادية المترتبة على الورشة والمعرض.
دمى من لحم ودم
لم يكن اختيار المشاركين في المعرض من خريجي كلية الفنون الجميلة والمعهد العالي للفنون المسرحية عن عبث من قِبل الصباغ للمشاركة في الورشة، وإنما لأنهم يختصون بالمجال الفني وليست لديهم ثقافة هذا الاختصاص النادر، ولأننا نفتقر إلى كادر أكاديمي بهذا الفن توجّهت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية وكلية الفنون الجميلة بمبادرة منها لجذب الأكاديميين وتعزيز ثقافة مسرح العرائس، وهذا ما تعمل عليه منذ فترة لربط الفنّ التشكيلي بالمسرح، خاصة وأن الفنانين التشكيليين بعيدون عن ثقافة مسرح العرائس وليست لديهم متابعة لهذا الفن. من هنا كان لديها هاجس بضرورة تعليمه بشكل أكاديمي لتقديم ما هو صحيح على هذا الصعيد، وهي التي أكدت في بداية الورشة ضرورة الخروج من إطار اللوحة من خلال طرح مواضيع مختلفة، وهذا ما كان، حيث قدّمت المشاركات من خلال مادة الكرتون أعمالاً واقعية وتكعيبية وهندسية تناولنَ فيها موضوعَ الإنسان في كل حالاته وتجلياته (حب، موت، هجرة، فقر) وقد ساعدتهن مادةُ الكرتون بألوانها في ذلك، وهي ترمز إلى هشاشة الإنسان في الحياة، وخاصة في هذه الظروف التي نعيشها، مؤكدة أنه كان لكلّ مشاركة أسلوبها وطريقتها، وأنها اندهشت وذُهِلْت للنهايات التي وصلوا إليها وبقدرتهم على تحريك الدمى وتطويعها وتحقيق الانسجام معها، فبدتْ وكأنها دمى من لحم ودم، تفاعَلَ معها صانعوها بكل حميمية، ولا غريب في ذلك برأيها لأنهم عاشوا معها على مدى شهرين، إلى أن رأت النورَ، منوهة بأن هذا المشروع يمكن أن يتطور فيما بعد ليصبح مشروع مسرح شارع، فالدمى كلها قابلة للتحريك، وكان المخطّط الخروج بهذا المعرض إلى الشارع، لكن الظروف المادية حالتْ دون ذلك، وهي رسالة منها للمعنيين ليتبنوا هكذا مشاريع وأن يعملوا على تشجيعها، خاصة وأن خريجات الورشة هنّ فنانات تشكيليات قادرات على تقديم ما هو مختلف.
فكرة مغلوطة
تشير هنادة الصباغ إلى إمكانية إعادة هذه الورشة في المعهد العالي للفنون المسرحية مستقبلاً، خاصة وأنها درّست فيه فترة من الزمن ولمست أن هذا الفنّ ما زال مجهولاً لدى الطلاب الذين لديهم فكرة مغلوطة بأن مسرح العرائس هو فقط للطفل، في حين أن الورشة ومعرض “دمى من كرتون” أكدا أن هذا الكلام غير صحيح، حيث بالإمكان إقامة كرنفال ومسرح شارع بدمى من كرتون وتجسيد كلّ الشخصيات والحالات لأن الكرتون مادة بسيطة ومتوفرة، مبينة كذلك أنها أرادت لفت النظر إلى إمكانية تصميم أزياء من الكرتون يستفيد منها العاملون في المسرح وطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية (تعليم الأزياء من خلال الورق والكرتون)، حيث يمكن الاستفادة منها في صنع أزياء عصر النهضة والباروك التي يتمّ اللجوء إليها في المسرح، ويمكن إتلافها بسهولة بعد الانتهاء من مهمتها أو وضعها ضمن متحف خاص بالأزياء، متمنية أن يُدَرَّس اختصاص الدمى في كلية الفنون الجميلة وفي المعهد العالي للفنون المسرحية لرفد الساحة الفنية بأكاديميين، ويسعدها أن الورشة نجحت في تخريج مجموعة من الذين يجب أن تتمّ الاستفادة منهم لصنع شيء في المستقبل، شاكرة جميعَ المشاركات اللواتي التزمن بهذه الورشة رغم التزاماتهنّ الكثيرة، وخاصة في ظلّ الظروف الصعبة التي نعيشها حالياً، مبينة أن شغف المشاركات وإصرارهن على الوصول إلى النهاية هو الذي جعلهم يستمرون فيها رغم الضغوط الكثيرة التي عشناها أثناء الورشة، وخاصة في البدايات، معبّرة عن شكرها العميق لغاليري البيت الأزرق وصاحبته السيدة عفاف السالم التي احتضنت الورشة والمعرض وقدّمت كلّ الدعم، منوهة بأن البيت الأزرق هو بيت عربي قديم وكانت له طاقة إيجابية وتأثير كبير على عمل المشارِكات في الورشة.