مزارعو الزيتون في طرطوس: لا مانع من التصدير لكن من يراقب صغار وكبار التجار؟!
لؤي تفاحة
تعدّدت الآراء ووجهات النظر في محافظة طرطوس بين مؤيّد ومعارض بخصوص القرار الصادر والمتعلق بالسماح بتصدير مادة زيت الزيتون للموسم الحالي، فمن خلال استطلاع رأي شريحة واسعة من منتجي ومستهلكي المادة، ولاسيما في ضوء تجربة سابقة كانت أقرب إلى باب “الشطارة” عندما قام التجار بمحاولة، اتضح فيما بعد أنها عبارة عن تجميع للمادة بكميات كبيرة وإعادة بيعها في السوق المحلية بأسعار تفوق سعرها الحقيقي!.
هذا العام من المتوقع أن يصل الإنتاج إلى نحو 200 ألف طن، وهذا ما جعل قرار السماح بتصدير المادة يفتح أفواه التّجار بشراهة للتحضير لضربة غير متوقعة للكثيرين قد تفضي لتحقيق مكاسب وأرباح فيما لو سارت الأمور كما يتمنون ويحلمون بغضّ النظر عن شروط التصدير ومواصفات المنتج الفنية وحاجة السوق المحلية وغيرها,
هموم ومطالب
في أكثر من قرية بريف طرطوس تحدث عدد من المزارعين عن معاناتهم وهمومهم الموجعة جراء زراعة الزيتون وما تحتاجه لكي تعطي بالحدود المعقولة، عدا عن تكاليف الإنتاج الباهظة التي تحتاجها كأجور القطاف التي تجاوزت عتبة الـ40 ألف ليرة “للنبار” و30 ألف ليرة لعامل “التلقيط” وارتفاع أجور النقل والعصر التي يتحكّم بها صاحب المعصرة دون التقيّد بتسعيرة التموين.
وبرأي المزارع أبو أحمد الذي يملك نحو /200/ شجرة زيتون أن المشكلة بتكاليف الإنتاج رغم وفرته هذا العام، ففي ظل ارتفاع الأسعار لم تعد الأمور كما كانت عليه سابقاً، فالتكاليف باهظة، بدءاً من حراثة الأرض مروراً بتقليم الأشجار وتسميدها وصولاً لأجور قطافها ونقلها وعصرها، حيث يضطر الفلاح خلال هذه الرحلة من دورة الإنتاج أن يدفع كثيراً من جهده وماله، وبالنسبة لرأيه بقرار تصدير الزيتون، لم يبدِ أبو أحمد اعتراضاً عليه طالما يعوّض للمزارع جزءاً من التكاليف، لكنه أبدى تخوفه من تكرار تجربة العام الماضي، حيث قام بعض التّجار الصغار بشراء كميات كبيرة من الزيت للتصدير ليتبيّن لاحقاً أنهم باعوه في السوق المحلية بسعر وصل إلى 275 ألف ليرة “للبيدون” فيما تمّ شراؤه بأقل من200 ألف ليرة!.
وأيّد المزارع أبو علي قرار التصدير، لكنه أشار إلى نقطة مهمّة وهي لجوء بعض تجار المادة لغش وخلط الزيت الجيد مع الزيت الرديء مما يسيء للمنتج السوري المشهود له عالمياً، وهناك أمثلة على ذلك، حيث أعيدت أكثر من شحنة زيت لمصدرها. وطالب أبو علي بمراعاة حاجة السوق المحلية وتأمينها بسعر يضمن مصلحة المزارع والمستهلك معاً، وأن يتمّ في الوقت ذاته ضبط سعر الزيت النباتي المستورد، وألا يكون على حساب سعر زيت الزيتون الذي يفوقه كفائدة متعدّدة أو لجهة تكاليف إنتاجه.
وللمستهلك رأي
بالمقابل عبّر عدد من مستهلكي المادة عن مخاوفهم من قرار السماح بالتصدير الذي سيؤدي لارتفاع سعره بشكل فلكي، مما سيجعل شريحة كبيرة غير قادرة على شراء مونتها، مطالبين بضرورة ضبط الأسعار ومراقبة جودة المنتج.
غياب الرؤية الصحيحة!
محمد حسين رئيس اتحاد فلاحي طرطوس أكد أن التصدير يجب أن ينعكس إيجاباً لمصلحة المزارع الذي يتحمّل تكاليف باهظة، مشيراً إلى الظروف الصعبة التي يتعرّض لها المزارعون، سواء مزارعي الزيتون أو الحمضيات، جراء غياب أي رؤية عملية تسهم بمعالجة هذه الأزمات المتلاحقة، الأمر الذي سوف يقضي على آخر حلم للمزارع بالتمسك بأرضه، وبالتالي هجرها وتركها لتتحوّل إلى أراضي بور بسبب تكاليف أعمال العناية والدعم المفقودين، فيما رأى المهندس أيوب زينب عضو مجلس المحافظة أن قرار التصدير سيكون على حساب المستهلك بالدرجة الأولى وسوف تزداد الأعباء في ظلّ هذه الظروف الصعبة.
الأولوية للسمعة
سامي الخطيب صاحب معمل لتعبئة الزيت، ومصدّر رئيسي لزيت الزيتون في طرطوس، أكد أن عمليات التصدير تجري بشكل مستمر ولم تتوقف، لافتاً إلى أن التصدير يسهم بشكل كبير بتعزيز صمود المزارعين، ولاسيما في محافظة طرطوس التي يعاني المزارعون فيها من فاتورة التكاليف المرهقة التي لا يستطيع أي مزارع تحملها، ومن وجهة نظره أن التصدير سيسهم بتأمين القطع الأجنبي، متسائلاً عن غياب أي تنسيق بين المؤسّسات الحكومية وبقية الجهات المعنية الأخرى من غرف التجارة والصناعة وغيرها.
وطالب الخطيب بضرورة إيجاد حالة من التشاركية بين هذه الجهات التي لطالما تدعو للقيام بهذا الدور، ولكنها تبقى مجرد دعوات غير جادة على الإطلاق، بحسب كلام الخطيب، مشيراً إلى أهمية أن تتمّ عملية التصدير وفق المواصفات الفنية المطلوبة للمحافظة على سمعة الزيت السوري وجودته وقيمته الغذائية المعروفة.
لا علاقة له؟
وبرأي عدد آخر من المنتجين المصدّرين، أن التصدير لا علاقة له إطلاقاً بارتفاع سعر صفيحة الزيت في السوق المحلية، لأن الشكوى الأساسية تكمن في ضعف القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع مستلزمات الإنتاج والزراعة، مطالبين الحكومة بدعم المزارعين وتشجيعهم على الاستمرار بالزراعة من خلال توفير المستلزمات الضرورية.
وطالب أصحاب المعاصر البالغ عددها نحو 250 معصرة بالدعم، موضحين أن أغلبهم لا يملكون الإمكانيات المادية اللازمة لتطوير عمل معاصرهم، كمنحهم قروضاً طويلة الأجل بهدف تحديث خطوط الإنتاج وبناء خزانات لتخزين وتعبئة الزيت.
في كلّ الأحوال يبقى العزفُ على وتر التصدير منفرداً طالما أن الكثير من الجهات مازالت تعتبر نفسها غير معنية بشكل مباشر، أو أن وظيفتها فقط تصديق شهادات المنشأ وإجازات الاستيراد والتصدير والفواتير وغيرها، في حين أن المطلوب العمل سوياً لإيجاد سوق للتصدير، أما الحديث عن التشاركية مع القطاع الخاص فيبدو أن له الكثير من تفسيرات العرف السائد القائل إن التجارة شطارة، وهنا مقتل الجميع!!.