عن جلسات تقييم تجربة “الاستئناس”
أحمد حسن
ما زال من المبكر الحكم على تقييم تجربة “الاستئناس الحزبي” التي يخوضها هذه الأيام الرفاق البعثيون في فروعهم الحزبية، بيد أن ما يرشح من جلسات الحوار، وتنقله بشفافية لافتة صحيفة الحزب “البعث” يشي بالكثير.
وبالطبع إن مجرّد اتخاذ القرار بإجراء الحوارات التي يشارك فيها “الناجحون والراسبون والمستبعدون في استئناس وانتخابات الإدارة المحلية” هو أمر إيجابي جداً، وبالتأكيد أن مجمل ما سينتج عنها سيكون، بالتالي، أمراً مهمّاً وإيجابياً أيضاً للحزب ومستقبله، فإذا كان بعض ما يطرح في هذه الجلسات، حسب ما يرشح منها، مدعاة للتفكّر والتأمّل والعلاج والمحاسبة، ليس فقط على قاعدة إنصاف المظلوم ومحاسبة المسيء، فإن بعضه الآخر يتجاوز قضية الانتخابات كإجراءات روتينية إلى ما هو أبعد من ذلك، ويحتاج إلى وضعه عاجلاً على طاولة “التنظير” حول الطريقة المثلى لتحويل هموم القاعدة الحزبية واهتماماتها “المستجدّة” إلى حقائق تنظيمية تؤمّن، من جهة أولى، صيغة أكثر مقبولية في الديمقراطية الداخلية وتؤسّس لتعزيزها، وبالتالي التمثيل الصحيح والمناسب للكوادر الحزبية في مواقع العمل الحزبي والسياسي، وتتجاوب، من جهة ثانية، مع حقائق عصر جديد، وأن يكون ذلك كله على قاعدة الإصلاح وتدارك الأخطاء التي تتطلب أوّلاً وآخِراً الاعتراف بها بشجاعة لم تنقص الحزب يوماً ولن تنقصه الآن.
فبعض ما طرحه الرفاق بشأن الانتخابات في هذه “الجلسات” لافت للانتباه، سواء أكان الحديث عن تحضير سيّئ وضعيف، أم عن قراراتٍ ليست في مواعيدها مثل “توقيت إصدار القيادة للشروط والمعايير لدخول عملية الاستئناس”، حيث يقال في علم الإدارة: إن القرار الجيد في توقيت سيّئ يشابه في محصلته وتداعياته قراراً سيئاً بالمطلق، وبالطبع فإن البعض تحدّث عن “محاباة” في الترشيح والانتخاب تحت ضغط عوامل لا حزبية، أو تحديداً ما قبل حزبية، مستهجنين “دخول المصلحة الشخصية بقوة وتجاهل المصلحة العامة”، والبعض كشف عن استثناءاتٍ منحت للبعض على حساب آخرين، والبعض نوّه إلى “تجاوز الترتيب في اختيار الرفاق لقوائم الوحدة الوطنية” سواء كاجتهاد شخصي للقيادات المحلية المشرفة على الانتخاب، أم نتيجة خضوعها لـ”تمنيات” وتوجيهات جهات أخرى، أو بحثاً عن منفعة مادية ما، وما إلى ذلك.
بيد أن مجمل ما يحدث الآن أمام أعين الحزبيين هو أمر إيجابي بالمطلق، فهو، أولاً، محطة من المحطات المهمّة في تعزيز الممارسة الديمقراطية داخل الحزب، وبالتالي خطوة ضرورية لاستيعاب الجميع وخاصة الكوادر الكفؤة التي نحتاج إليها بقوة في المرحلة القادمة، لأن خروج “الكيف” أو انزواءه لن يعوّضه اتساع “الكم” كما يعرف الجميع، وهو، ثانياً، يضع بين أيدي القيادة، ومباشرة من فم المعنيين، خيوط ومكامن الخلل الصريح الذي قد يصل في مكان ما إلى حدّ الارتكاب، أي وجود خطأ قد يصل إلى حدّ الخطيئة، وبالتالي الانتقال من محاسبة المرتكب من جهة أولى وإعادة الحق لأصحابه من جهة ثانية، وهما أمران ضروريان وأساسيان، إلى ما هو أهم منهما معاً، أي ضرورة استخراج العبرة من كل ذلك لتصويب المسار وتقويم الآليات السابقة.. والأشخاص أيضاً، وحتى البدء بـ”قراءات” تجديدية، تتطلبها تحدّيات ذات طبيعة جديدة، وكما أسلفنا، وكما يعرف الجميع، فإن الحزب لم تنقصه الشجاعة يوماً في التصويب والمراجعة والمحاسبة، ولن تنقصه الآن.