وزارة المفاجآت…!!
علي عبود
نسألُ باستغراب شديد: هل فوجئت وزارة الزراعة بموسم استثنائي لمحصول الذرة الصفراء يُقدّر بكمية 500 ألف طن؟.
نعم، حسب تصريحاتها فإنها لم تتوقع ارتفاع كمية الإنتاج في وحدة المساحة!.
وهل فوجئت الوزارة بالانخفاض الكارثي الذي تعرّض له موسم الحمضيات هذا العام من 1.1 مليون طن إلى 640 ألف طن؟.
نعم، لقد فوجئت، ربما لأن وزارتي النفط والري خذلتاها، فلم تؤمّنا للفلاحين المازوت والمياه لري بساتينهم، فتعرّض القسم الأكبر منها للجفاف واليباس وقلة الثمار.. إلخ.
وهل تتفاجأ وزارة الزراعة عاماً بعد عام بالإنتاج الهزيل لمحاصيل القمح والتي تدهور تسويقها من 4 ملايين طن إلى ما دون المليون طن؟!.
نعم، هي متفاجئة دائماً، لأن السماء تخذلها فلا تنجدها بالأمطار الكافية في الأوقات المناسبة، والمناخ يخذلها أكثر برفعه للحرارة في فترة نضج المحصول وانعدام الريات الضرورية للإنبات.. الخ.
ولو سردنا ما يحصل في جميع المحاصيل لخلصنا إلى نتيجة واحدة، وهي أن وزارة الزراعة تتفاجأ دائماً خلافاً لتوقعاتها وتنبؤاتها بمواسم استثنائية، سواء بزيادة أو بانخفاض الإنتاج!. ومن كثرة المفاجآت نقترحُ استبدال اسم وزارة الزراعة باسم وزارة المفاجآت.
والحق يقال، ليس وزارة الزراعة وحدها من يتفاجأ، فالفلاحون أيضاً عُرضة للمفاجآت المتكرّرة، فأسعار مستلزمات الإنتاج ترفعها اللجنة الاقتصادية أكثر من مرة في العام الواحد، ولا ينافسها في الرفع سوى وزارة النفط التي لا تكتفي بزيادة أسعار المازوت المدعوم والحرّ، وإنما لا توفره أيضاً للمواسم الزراعية، وكأنها تقول لتّجار السوق السوداء: ما من جهة ستمنعكم من استغلال الفلاحين!.
ونجزمُ أن ملايين الأسر السورية هي الوحيدة التي لم تعد تتفاجأ بارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية، لأنها تعوّدت على رفعها يوماً إثر يوم، بفعل العجز المرعب لوزارة التجارة الداخلية عن ضبط التّجار والمحتكرين، وقيام اللجنة الاقتصادية برفع مستلزمات إنتاج الصناعيين!.
ونسألُ مجدداً: لماذا تحوّلت وزارة الزراعة إلى وزارة مفاجآت؟ تقوم الوزارة بوضع خطط ورقية تحدّد فيها المساحات المروية والبعلية، وحاجات المحاصيل من المستلزمات، وخاصة الأسمدة والأدوية والبذار.. الخ. واستناداً إلى خططها الورقية، والإنتاج في وحدة المساحة مقارنة بالعقود الماضية تتوقع وزارة الزراعة أو تتنبأ بكميات الإنتاج لكلّ محصول، ويدلي مسؤولوها بتصريحات متفائلة على مدار العام كتأكيد وزير الزراعة مثلاً، مراراً وتكراراً، وحتى قبل أسابيع من بدء تسويق القمح أن الإنتاج المتوقع لن يقلّ عن 3 ملايين طن!.
وأمام هذه التنبؤات من الطبيعي أن تتفاجأ وزارة الزراعة بتراجع مريع في إنتاج المحاصيل، أو بزيادة إنتاج بعضها كالذرة الصفراء، وقد باتت حالة الزيادة استثنائية، بل ونادرة مثلما حصل في موسم هذا العام بزيت الزيتون خلافاً لتنبؤات الوزارة!.
والحق يُقال، إن وزارة الزراعة تحوّلت رغماً عنها إلى وزارة مفاجآت بفعل تخلي الحكومات المتعاقبة عن نهج الخطط الخمسية من جهة، وعن نهج الأولوية للزراعة من جهة أخرى، إذ لا يكفي أن تضع وزارة الزراعة الخطط السنوية، لأن قرارات تأمين مستلزماتها بيد وزارات أخرى كالمالية والنفط والصناعة والري والاقتصاد.. الخ.
قد تكون الوزارات المعنية بالقطاع الزراعي تجتمع في اللجنة الاقتصادية، لكن ما يصدر عن هذه اللجنة يوحي أن شغلها الشاغل رفع الأسعار وليس تأمين مستلزمات الإنتاج، والدليل أن محافظ حلب اضطر لتخصيص طريق حلب – الرقة لفرش محصول الذرة الصفراء على جانبيه لتجفيفه بأشعة الشمس بعد تعرّضه للأمطار، لأن اللجنة الاقتصادية رفضت طلب مؤسسة الأعلاف بإنشاء المجففات الآلية!!
الخلاصة: إذا كانتْ وزارة الزراعة لا تضمن تجاوب الوزارات الأخرى، ولا استجابة اللجنة الاقتصادية لطلباتها، وليست قادرة على انتزاع قرارات من مجلس الوزراء، وخاصة بتأمين مستلزمات الزراعة بالكميات المطلوبة والأوقات المناسبة والأسعار المدعومة.. فمن الطبيعي أن تتفاجأ سلباً أم إيجاباً بالنسبة لكلّ المواسم، ويصح عليها بالتالي اسم وزارة المفاجآت!!.