ذاكرة الكلمة ومخيلة اللغة وملاهي التكنولوجيا
غالية خوجة
ليس أجمل من مبادرة عربية تعيد أبناء الأمة إلى لسانهم العربي الفصيح، لتساهم في بنائهم وعياً وتفكيراً ونهضة وانتماء وهوية، وهذا ما فعلته مبادرة تحدي القراءة العربي التي أشرقت من دبي لتجمع أبناء الأمة العربية أينما كانوا مع لغة الضاد المقدسة لأنها لغة القرآن الكريم، ولا أجمل من هذا التكريم الإلهي للغتنا المتجذرة في سوريتنا الحبيبة وتفرعها جيلاً بعد جيل، وهذا ما أثبتته الطفلة المعجزة شام البكور بطلة الدورة السادسة – 2022 من تحدي القراءة العربي.
الطفلة شام حلب، وشام سورية، فاحت بالياسمين المنتصر وهي تزهر بسبعة أعوام فصاحة وطلاقة وذكاء وبديهة وتفاعلاً إيجابياً مع مراحل المسابقة، وأثبتت أن القراءة ممارسة معرفية تحدت الحرب وتبعاتها، وتحدت زمن ملاهي التكنولوجيا، وأثبتت أن القيم التربوية وأخلاقياتها وطموحاتها الحضارية هي البوصلة الباقية البانية.
والملفت أن عدداً من الإعلاميين لم يستطع مجاراة شام باللغة العربية الفصحى لأنهم اعتمدوا اللهجة في الحوار معها، وهناك من حاورها بالفصحى لكنه كسر اللغة نحواً فلحنَ بالنصب والرفع والجر!
وللمتابع أن يلاحظ كيف كانت الطفلة شام حاضرة الحواس والفكر وسرعة الإجابة ودقتها فأبهرت الجميع في الوطن العربي وخارجه، وعكست أنموذجاً ملفتاً لأطفال سورية وجيل الحرب الإرهابية الظالمة، مؤكدة للعالم أن طفولتنا صامدة ومقاومة ومدافعة عن وطنها وعروبتها ولغتها التي احتفت بالقراءة مع أول كلمة من الوحي “إقرأ”، لتكون القراءة كوناً آخر للإنسان بين التأمل المعرفي والتفكّر العقلي الثقافي والاستغوار في أعماق الكون وأعماقنا من أجل بناء الذات والمجتمع والوطن.
اللغة عالم ظاهر وباطن وللكلمة ملائكة ومعانٍ وذاكرة ومخيلة وأحاسيس وأزمنة وأمكنة وموسيقا ومفاعيل بنّاءة طيبة وهدّامة خبيثة، للكلمة فضاءاتها العميقة وأمواجها وشطآنها وتحولاتها واحتمالاتها وخوارزمياتها ومورثاتها الجينية أيضاً، لذلك، تلعب اللغة دوراً كبيراً في طريقة التفكير ومناهجه الحياتية، الاجتماعية، العلمية، الأدبية، القانونية، الطبيعية، التأريخية، المعرفية، الابتكارية، المستقبلية، ولهذا كله دور أساسي تأثيري في العوالم النفسية والإبداعية والإنتاجية في كافة المجالات القابلة للتفعيل والتغيّر وإنجاز الأفعال وصيرورتها برؤية ورؤيا واستبصار يمتد في الاستدامة المتوازية مع التطور والتطوير من أجل حياة أفضل للإنسان عموماً، وللإنسان العربي خصوصاً.
الطفلة المعجزة شام البكور مثل الكثيرات والكثيرين على مر العصور أثبتت أن الأمومة تنتج طاقات هائلة، وتجربة شام بطلة الوطن العربي تجعلنا نتساءل: كم من شام في سوريتنا الحبيبة رغم الحرب وويلاتها وصعوبات ما بعدها من حصار ظالم؟
وهذه التجربة تجعلنا أكثر إصراراً وتساؤلاً عن دور الجميع في البحث عن الكفاءات بين الأطفال والشباب وحتى كبار السن، لنبني منهجية واعية مضيئة متناسبة من حيث الكفاءات، ومتشابكة من حيث الإيجابية في بناء الإنسان والوطن والعالم، خصوصاً، وأن دماء الشهداء وجرحى الوطن تزهر في أرضنا وأرواحنا القيم الجميلة المتحدية بانتمائها للغة العربية وهويتها ووفائها بالوطنية والشرف والإخلاص.