ندوة حوارية على مدرج دار البعث بعنوان «التصحيح مسـيرة نضـال مسـتمر»: عندما تكون مآثر القائد حافظ الأسد منارة تضيء للأجيال.. يتحقق الأمل بالعمل
البعث ــ علي بلال قاسم:
يأخذ تحدي الاستثمار في عوامل ديمومة واستمرارية «الفعل الصحيح» خياراً استراتيجياً لدولة تدرك كيف توظف الإرث الحضاري للحدث التاريخي الأبرز في سجلها المعاصر، والمتمثل بحركة تصحيحية ما زالت شعلتها متقدة منذ 52 عاماً، وما زال الاشتغال على تفاعل الأجيال الفتية من أحفاد التأسيس هدفاً وشعاراً عريضين تكفلت بتوطينهما فعالية احتضنتها دار البعث بعنوان «التصحيح مسيرة نضال مستمر»، واجتهد المتحدثون والمشاركون فيها على الخروج بسردية سياسية وتاريخية وثقافية تليق بحدث «التصحيح». وإذا كان من استقطاب لافت لحضور كثيف من مشاركين ومستمعين للحدث الذي تشاركت اللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الفلسطيني، ومؤسسة القدس الدولية – سورية، مع فصائل من المقاومة الفلسطينية، في تنظيمه والإعداد له، فإن حقيقة ذاك الحشد الرفاقي القومي، من لبنان وفلسطين والأردن واليمن وموريتانيا.. وسورية، الذي غص به مدرج «دار البعث» من مختلف الأعمار، يمنح جواز مرور لآمال تستطيع تبديد توجسات هوة الأجيال بسلاح المهنية والحرفية في صياغة خطاب حديث يقترن بسؤال الرؤية والمصير.
شهادات تاريخية
في استهلالية غنية بالوقائع والمحطات والمواقف، أعطى الدكتور صابر فلحوط – مدير الندوة – شارة الانطلاق بجدول أعمال الندوة للدكتور طلال ناجي، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، الذي قدم قراءة مهمة لعمر التصحيح الذي وصفه بعصر القائد حافظ الأسد، كرجل كبير اتفق على عظمة شخصيته الأصدقاء والخصوم، مقدماً شهادات تاريخية لقادة ورؤساء وشخصيات، ومعرجاً على سيرة نضال وطنية كانت شرارتها أسرة وبيت وطني نشأ فيهما، إيمانهما الأول الانتماء القومي لفلسطين، وكيف ذهب فكر المؤسس، مذ كان طالباً، لمواجهة المشروع الصهيوني، مجسداً الانتماء لنهج وثقافة وروح وإرث حزب البعث العربي الاشتراكي، «حزب فلسطين»، كما كان يصفه القائد المؤسس.
«الثوري البراغماتي»
وعبر تصفح التدرج الزمني والتحولات والانعطافات التاريخية، راح د. طلال ناجي يستعرض ثقافة قائد التصحيح الحزبية والوطنية والقومية، مع الوقوف على الأحداث منذ تشكيل خلية الإطاحة بأذناب الانفصال في مصر، ثم استلام قيادة سلاح الجو، ومواجهة الصراعات الداخلية في الستينيات، وتولي وزارة الدفاع وقيادة الجيش لما فيه المصلحة القومية والوطنية. ومرّ أمين الجبهة الشعبية على نكسة حزيران وجملة المسؤوليات الجسيمة لإزالة الآثار وعوامل الإحباط؛ وبنبرة «ابن فلسطين المقاوم» تناول ناجي مواقف صانع التصحيح، من أحداث الأردن 16 أيلول 1970، وتوليه قيادة الدفاع عن الفلسطينيين عندما أدار غرفة العمليات شخصياً في درعا، لتتسارع الأحداث بإدراك الأسد حيوية تصحيح الأمور والقيام بالحركة التصحيحية في 16 تشرين 1970، دون إراقة دماء كأول حركة بيضاء غيرت مفاهيم زمن الانقلابات العسكرية.. وهنا بدأت مكنة الإنجازات الوطنية والعربية والدولية، حيث طبع «الثوري البراغماتي» – وفق وصف الدكتور خلف المفتاح، مدير عام مؤسسة القدس الدولية للراحل حافظ الأسد– الحياة السياسية بطابعه، عبر تركه بصمات على مستوى سورية والمنطقة العربية والعالم، ليعود ناجي إلى صنائع وسجلات كانت فلسطين بوصلة القائد حافظ الأسد في الدعم والمساندة، بدلالة احتضان القيادات الفلسطينية منذ خروجها من الأردن وفتح المعسكرات وحمل السلاح استعداداً لتحرير فلسطين، مروراً بفرض انتصار المقاومة الفلسطينية والوطنية في لبنان، وما أنجز من منع تفاقم الأمور عبر الوقوف إلى جانب المقاومة، عندما وصل البعد الاستراتيجي لدى القائد درجة تشكيل قيادة سياسية وعسكرية موحدة مع المقاومة الفلسطينية.
وأفرد ناجي حيزاً لقراءة المقتطفات من الخطب والتي رسمت طريق الشراكة والتحالف مع المقاومة والقضية الفلسطينية بلا مساومة ولا تفريط بالحقوق العربية، ليكبر حافظ الأسد بسورية وتكبر به، وتحولت إلى دولة إقليمية من الوزن الدولي، حيث استطاع السيد الرئيس بشار الأسد استكمال المسير بمواقف أخذت شكل الإصرار على الثوابت الوطنية والاستمرار في احتضان المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، بشهادة ذاك الرد المشهور على مطالب وشروط كولن باول، وزير خارجية أمريكا، في عام 2003، برفض التخلي عن المقاومة أو الاستغناء عن القيادات الفلسطينية.
فلسفة حكم
وعلى نهايات عرض ناجي، المتعلق بتمسك سورية بنهج التصحيح وانتصارها على المؤامرات، كانت أسئلة الدكتور خلف المفتاح سريعة وحاضرة قوامها: ماذا لو لم تحصل الحركة التصحيحية؟ ليختصر الإجابة – بعد العرض الموسع الذي قدمه د. طلال ناجي – بتناول تاريخ من تصحيح العلاقة داخل أجنحة الحزب وتصحيح العلاقة مع الوطن، وقدرة القائد حافظ الأسد على التحول من دولة الحزب إلى دولة الوطن.. تاريخ شهدت عليه مخرجات مؤتمرات قطرية وقومية، لتشمل سبحة التصحيح سلم العلاقة مع الدول العربية والانفتاح على الدول الغربية، عبر فلسفة حكم تضع البراغماتية في خدمة الثورة، والتعامل مع الحلفاء بندية تستكمل اليوم بإرث استراتيجي يجسده السيد الرئيس بشار الأسد.
الأسئلة الحيوية
«.. نحن فلاح وعامل وشباب لا يلين..» هي مفاتحة بنشيد البعث ارتكز بها الدكتور عبد اللطيف عمران، مدير عام دار البعث، برصيد من الأسئلة الحيوية التفاعلية استندت على مشهد الحشد الكبير الذي شكل فرصة لطروحات استفهامية من قبيل: هل تمر ذكرى التصحيح مرور الكرام؟ وأين نحن من شعار عودة الحزب إلى جماهيره وعودة الجماهير إلى حزبها؟
وفي استكمال خيار فتح الأقواس على مزيد من الإشارات القابلة للحوار والجدل، سأل الدكتور عمران: هل نجرؤ على مراجعة دور الحزب محلياً وخارجياً؟ متوجها لشريحة الشباب وطلبة المدارس – الجيل الجديد – الذي شغل أكثر من نصف المدرج، بالقول: ماذا تعرف الأجيال الطالعة عن التصحيح، وهي الخليطة بالتكنولوجيا الرقمية، ولم نعد بقادرين على توجيهها كما يحلو لنا؟
متلازمة النشيدين
في هذا السياق، كان للدكتور عمران توضيحات مهمة تستهدف هذه الشريحة المعرضة للتأثر بمعطيات التكنولوجيا ومواقف وسرديات تغذيه من إعلام البترودولار، وبالتالي علينا الرأفة بها ومخاطبتها بما تفهمه، محذراً من لجوئها للنأي بالنفس عن القضايا الوطنية، وهذا محك كبير للهوة بين الأجيال في الساحة العربية. ولأن الدكتور عمران من جيل هو نتاج الحزبية التي تمخضت عن حركات التحرر الوطني والاستقلال، فإن ثمة شعور ببوادر التطبيق والتوضيح لأحفاد من مواليد 2000، والواقع الحالي ضحية سردية الإعلام المعارض، وبالتالي التصحيح يأتي في سياق وثيقة وطن يجب ألا تمحى.
ومن منطلق أن الإعلام والثقافة لا يصنعان سياسات بل ينفذانها، دعا مدير دار البعث لقراءة مواقف الماضي قراءة علمية، لاسيما أن القيم لا تتقادم مع الزمن، ولا تتلاشى المبادئ والثوابت التي نبني عليها أمام جيل مفروض عليه ثورة رقمية، مستذكراً: لمن نكتب! ومجيباً: لا يوجد كتاب بل شاشة، وإذا وجد الكتاب لا يوجد قارئ؟ ليستحضر حالة ابتدأت الندوة بها قوامها متلازمة النشيدين الوطنيين السوري والفلسطيني، وبالتالي على كل قطر عربي يحترم سؤال المصير والهوية أن يطبق توازي النشيدين.
الدكتور عمران قسم التصحيح المستمر في نهج سورية إلى مرحلتين: 30 سنة مرحلة القائد المؤسس حافظ الأسد، و22 سنة تصحيح في عهد السيد الرئيس بشار الأسد، مستخلصاً خاتمة تؤكد أن حركة التحرر والاستقلال العربي اليوم تحتاج أمام الأجيال المهنية والحرفية والصياغة المقترنة بسؤال الرؤية والمصير. ليختم بالقول أنه عندما يكون «التصحيح مسـيرة نضـال مسـتمر».. وتكون مآثر القائد حافظ الأسد منارة تضيء للأجيال.. يتحقق الأمل بالعمل
كلام في القادة المؤثرين
وتناول محفوظ ولد عزيز، أمين عام الحزب الوحدوي الاشتراكي الموريتاني، وعضو المجلس القومي لحزب البعث، عظمة القادة المؤثرين في التاريخ لتكون أمتهم بخير، وهذا ما جسده القائد حافظ الأسد الذي ترك ضوءاً تسير عليه الأجيال، ومن بعده السيد الرئيس بشار الأسد بانتصاره على الإرهاب.
أما رضوان الحيمي، الوزير المفوض في السفارة اليمنية، فأكد أن القائد حافظ الأسد اتخذ القومية خياراً ومنهاجاً سار عليهما، و»نحن في اليمن ذقنا ثمار هذا الخط عندما تحولت اليمن من حالة شعبية إلى رسمية كدولة تقف مع فلسطين والمقاومة، وسورية فتحت أبوابها لنا ونحن نفتخر بهذا الانتماء ومستمرون فيه للوقوف بوجه الذين يريدون يمناً وسوريةً ضعيفتين ومهزومتين».
من جهته، أحمد الخليفة، عضو الأمانة العامة لمؤتمر القومي العربي، والمنسق العام لمناهضة التطبيع مع الصهيونية، تحدث عن مآثر قائد التصحيح، الرجل الذي «لم يوقع»، ومن بعده سورية التي لا ولن توقع، وستبقى في خندق العروبة المخلصة لقضايا الأمة المصيرية.