أين التحقيق من إبادة شعب بأكمله؟
علي اليوسف
كان متوقعاً أن يرفض الكيان الإسرائيلي إخضاع جنوده لأي استجواب بعد قرار فتح تحقيق في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وهو سلوك دأبت عليه سلطات الاحتلال منذ العام 1948 حين ارتكبت أفظع المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وما تلاها من مجازر يخلدها التاريخ والتي راح ضحيتها ألاف الفلسطينيين، وتهجير سكان قرى بأكملها.
هذا الامعان في التبجح عبّر عنه صراحة رئيس وزراء الكيان المنتهية ولايته، يائير لبيد، في تغريدة على “تويتر” بالقول: “لن يتم استجواب الجنود الإسرائيليين من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي، أو أي هيئة أو دولة أجنبية أخرى، مهما كانت صديقة”، بل تجاوز حدود اللياقة الدبلوماسية حين قال إنه “تمّ نقل احتجاج قوي الى الأميركيين”.
من الطبيعي أن يكون سلوك هذا الكيان على هذا الشكل مادامت الولايات المتحدة نفسها، التي تفتح التحقيق، هي الحامية له، والحامية لرفضه القرارات الدولية والأممية الكثيرة في المنظمات الدولية، والتي جميعها تدين هذا الكيان على تصرفاته اللاأخلاقية، وتحّمله مسؤولية إبادة شعب بأكمله.
لكن من غير الطبيعي أن تعيد الولايات المتحدة فتح تحقيق بجريمة قتل بحق انسان واحد، بغض النظر عما اذا كانت صحفية أو غير ذلك، لأن الطبيعي في هذه الحالة اعادة فتح تحقيق بالجرائم التي ارتكبت بحق شعب بأكمله، وتم تهجيره قسراً بقوة الدعم الأمريكي الذي ينبري الآن للدفاع عن شيرين أبو عاقلة. حتى هذا الانتصار للصحفية أبو عاقلة يشوبه الكثير من التساؤلات الأخلاقية التي دفعت الولايات المتحدة للدفاع عنها، أهمها أن إعادة فتح التحقيق ليس إدانة لجنود الكيان الإسرائيلي، ولا للدفاع عن الصحفية شيرين، بل هو باختصار جاء نتيجة ضغط العشرات من نواب الحزب الديمقراطي على وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي للمطالبة بإعادة فتح التحقيق، لأنه بدون ذلك سيكون مخالفة للدستور الأمريكي الذي ينص في أحد بنوده على أن على الحكومة الأميركية “واجب حماية مواطنيها الأميركيين في الخارج”.
وهنا تكمن الحلقة المخفية، أي أن الولايات المتحدة لا تعيد فتح التحقيق بجريمة قتل صحفية فلسطينية، بل تعيده لأنها تحمل الجنسية الأمريكية، حيث من واجبها أن تنتصر لها، وهذا ما يمكن تفسيره على أنه قمة الاستهتار والاستخفاف بالدم الفلسطيني بعيداً عن أبو عاقلة، بمعنى أن من تدعي حماية مواطنيها لا يعنيها حماية المواطنين الأخرين بغض النظر عن جنسياتهم سواء كانوا فلسطينيين، أو سوريين، أو لبنانيين، أو عراقيين.
لذلك إن القرار الذي اتخذته وزارة العدل الأميركية بإعادة فتح تحقيق في وفاة شيرين أبو عاقلة ليس إلا حركة استعراضية للتسويق الداخلي، إذ من المؤكد أن مسار التحقيق لن يفضي إلى أي نتيجة، وسيتم التعتيم على من قتل أبو عاقلة كما تم التعتيم سابقاً على مقتل شعب بأكمله.