شحنة دعم ولكن!
غسان فطوم
حصل القطاع الزراعي على شحنة دعم “قوية” استحوذت على الحصة الأكبر من قرارات اجتماع مجلس الوزراء أول أمس، حيث أكدت الحكومة على “ضرورة إعداد رؤية متكاملة للنهوض بالقطاع الزراعي من خلال إجراءات قابلة للتنفيذ تشمل تأمين مستلزمات هذا القطاع، من بذار وسماد ومحروقات، وشددت في الوقت نفسه على منع استثمار الأراضي المخصصة لزراعة القمح بأي محصول آخر باعتباره أساس الأمن الغذائي، إضافة إلى دراسة تبسيط إجراءات منح القروض الخاصة بالقطاع الزراعي وتقديم كل أشكال الدعم الممكنة له”.
وبالطبع، ليست هي المرة الأولى التي تؤكد فيها الحكومة باجتماعاتها المتكررة على دعم الزراعة، لكن واقع حال المزارعين لا يشي بأن هذا القطاع بخير، والدليل استمرار المعاناة والخسائر المتلاحقة التي يتكبدها المزارعون نتيجة نقص مستلزمات الإنتاج وصعوبات تسويقه.. وكلها عوامل جعلت المزارعين “يكسرون الجرة” معلنين عدم العمل بالزراعة طالما يخسرون مالهم وجهدهم ولا يربحون! لذا لا عجب أن تستمر الفجوات والاختناقات التي يعاني منها القطاع الزراعي والتي لا يمكن مداواتها بتكرار الدعم الكلامي رغم أهميته في رفع معنويات المزارعين على أمل أن تتحول الأقوال إلى دعم مجزٍ، لا أن يعطى للمزارع “من الجمل أذنه”.
في الماضي، وعبر خططنا الخمسية السابقة، كانت دائماً الزراعة لها الأولوية وخاصة في عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث كان الدعم لا محدودا، وقد حققنا حينها الأمن الغذائي ووفرنا على خزينة الدولة مليارات الدولارات، ولكن للأسف لم يستمر هذا النهج، إذ بدأ التخلي الواضح عن دعم القطاع الزراعي منذ عام 2010، بل وقبل ذلك بسنوات، لنحصد اليوم النتائج الكارثية لهذا التخلي، والتي لا يمكن اليوم الخروج منها وتعويضها بدعم القطاع الزراعي وتأمين مستلزماته بسعر الكلفة، بدلاً من السعر المدعوم الذي يخفف من معاناة المزارعين ويعوض خسائرهم!
نعم، نحتاج اليوم، وعلى وجه السرعة، لإعداد رؤية متكاملة للنهوض بالقطاع الزراعي، كما وجهت الحكومة، ولكن بشرط أن تكون الإجراءات سريعة وفاعلة ودائمة، بدءاً من حراثة الأرض إلى تأمين البذار والغراس والسماد والأدوية، وصولاً إلى جني المحصول وتسويقه، فالدعم بالتنقيط أو التقسيط غير مجدٍ، وإعطاء المزارع “الطفران” الإعاشات الإسعافية بين وقت وآخر قد تخفف آلامه، لكنها لا تحل أزماته المتلاحقة ولا تضمن له محصولاً وفيراً!