الروائي محمد أحمد الطاهر: الكتابة الأدبية سبر لأرض لا تخلو من الألغام
البعث الأسبوعية – ثقافة – أمينة عباس:
يصفه كثيرون بأنه صياد جوائز، وقد نال مؤخراً جائزة القدس للإبداع الأدبي والفني ٢٠٢٢ عن روايته “حراس المدينة” وهو الذي سبق وأن نال العام الماضي جائزة حنا مينة للرواية، أما هو فيعتقد أن أغلب رواياته تستحق الجوائز لأن أهم ما يميزها أنها تحاكي الواقع وتتحدث عن همّ المواطن وما تعرّض له خلال الحرب على بلدنا.
*كثيرون يصفونك بأنك صياد جوائز، فما أهمية الجوائز بالنسبة لك؟ ومتى تتحول إلى غاية بحدّ ذاتها؟
**الجوائز حافز معنوي للكاتب، وهي مؤشر لوجود من يهتم بأدبه وفكره، إلى جانب أهميتها المادية له إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التكاليف الباهظة للطباعة، ولكن على ألا يصبح الهدف المادي أساسياً له وإلا أصبح قلم الكاتب نفعياً، وحينها لن يتمكن من التعبير عن جوهر الأشياء، في الوقت ذاته لا أنكر أن بعض الجوائز يكون لها دور في تسليط الضوءعلى كتاب كما في جائزة توتول للإبداع الروائي التي تجرى في كل عام برعاية الروائي المغترب مقبل الميلع، حيث يتم تكريم اربعة كتاب من مختلف المشارب للمساهمة في خلق فرصة نجاح لكاتب او كاتبة.
*هل تفرض مشاركتك في أي مسابقة نمطاً معيناً من الكتابة عليك؟
**لست مضطراً للمشاركة في مسابقات موجهة ولها مسار محدد، فما لا يناسبني لا أشارك به.
*ما هي الرواية التي تعتقد أنها تستحق جائزة من بين رواياتك؟
**أغلب روايتي أشعر أنها تستحق جوائز، وفي مقدمتها “أرض الجهاد” وكذلك رواية “القطار الأزرق” التشاركية وروايات “مواسم الغياب، المسحور، شارع المعبر التركي” لو أتيحت لها فرصة المشاركة العالمية مع توافر النزاهة في التحكيم ستحصل على مركز مهم جدا.
*تناولتَ الحرب على سورية بعدة روايات.. ما بين التوثيق والأدب لمن انحزتَ فيها أكثر؟
**على الكاتب أن يكون أميناً في توثيقه للأحداث الروائية لأنها مسؤولية وجدانية وسيحاسَب عليها يوماً ما من القراء والنقاد، وقد كنتُ أديباً ومؤرخاً أميناً للواقع في كل أعمالي الأدبية تقريباً، فمن خلال رواية “أرض الجهاد” تحدثتُ عن الحرب التي مرت على بلادنا الحبيبة، وبنيتُ من خلالها عالماً متكامل الجهات، فهي حرب الجهات الأربع، وفيها يجد القارئ كيف أن مدينة بكاملها ما بين ليلة وضحاها تقع فريسة غرباء جاؤوا من عتمة التاريخ ليغيّروا وجه المدينة التي أصبحت تنعق بالرعب، حيث أن لغة السيف والساطور هي الفيصل في كل صغيرة وكبيرة، وكان من حسن حظي أن روايتي هذه اختيرت من عدد من الروايات في جامعة دمشق كشاهد على الحرب في رسالة الماجستير لإحدى الطالبات، أما رواية “موعد مع الشمس” الفائزة بالمرتبة الأولى في جائزة حنا مينة للرواية للعام ٢٠٢١ فقد كانت مثالاً حياً عن أدب الحرب، وقدمتُ فيها صورة واضحة عن معدن المواطن السوري الأصيل الذي لم تفرقه المذاهب ولا الأعراق.
*ما أكبر مطب يقع فيه الكاتب عادة حين يرصد في كتاباته بعض الأحداث الحقيقية؟ ومتى يتحول الكاتب إلى مجرد مؤرخ؟ ومن منهما الأصدق في سرد ما يحدث؟
*الكتابة الأدبية هي سبر لأرض لا تخلو من الألغام، وإن لم يكن الكاتب واثقاً في خطواته سيكون ضحية نفسه، لذلك عليه واجب الحذر حتى وهو يبدع بتصرف، أما أن يكون الكاتب ناقلاً لأحداث من دون أن يكون جزءاً منها وفاعلاً ومتفاعلاً فهو مجرد كاتب كلمات لزمن ومكان ما، وكي يكون الكاتب أكثر صدقاً في إبداعه عليه أن يتصدى للحقائق بواقعها دون أن يتجرد من رسالته الإنسانية الرفيعة.. إن الأدب والتاريخ خطان متوازيان في التوثيق، لكن التاريخ يكتب بيد أناس تؤثر فيهم الأهواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بمعنى أنه مقيد بضوابط، أما الأدب فهو حرّ ووجدانيّ ويبحث عن المعاناة وتسليط الضوء عليها.
*كثيرون يتفقون على أن الألم والمعاناة أمران لا مفرّ منهما للوصول إلى ذكاء كبير وقلب عميق، فهل هما من يصنعان كاتباً كبيراً برأيك؟
**يقول لامارتين: الألم الحقيقي يعلمنا الإبداع” فمن لا يعاني لا يمكن له أن يبدع، وعليه أن يعيش المعاناة كي يستطيع التعبير عنها وإلا فإنه لن يكون صادقاً مع نفسه قبل أن يكون صادقاً مع الآخرين وإضافة إلى الواقع الذي اكتب عنه، هناك حالة النزيف المعنوي التي يعيشها الانسان فكثير من المآسي وحالات الفرح والسعادة يعيشها الكاتب نفسه ربما لا يستطيع بذاته التعبير عنها بسبب الضغط المعنوي الهائل على نفسه وفي حال نجح في ذلك يكون عبقرياً في خلق تلك الحالة الإبداعية الجميلة رغم الألم مع الاعتراف أن الفكرة أحياناً تخون عقل الكاتب وتتفلت منه رغماً عنه، إنه الإبداع الذي يسحرنا ويقودنا لفهم الحياة بطريقة ما، وأحيانا أدب الانسان هو من يجعل منه كاتباً متميزاً اذا أحسن تطبيقه وتكثيفه بشكل جيد.
*صرحتَ أنك تنتمي للمدرسة الواقعية، في حين قال أنتوني تابيز: “لا أريد الواقعية.. أريد السحر”.
**المدرسة الواقعية أقرب إلى نفسي، وربما لطبيعة مهنتي كمحامٍ دور مهم في ذلك لأنني أثق بالواقع والأدلة التي تقود لحقيقة تعجب القارئ وترضيه في النهاية، يبقى الأدب الواقعي الأكثر صدقاً وتعبيراً عن الذات البشرية المكبوتة بكل تفاصيلها والكاتب مهما حاول تخطي الواقع يظل ملتصقاً بصورته لأنه جزء منه.
*يقول دويستوفسكي: “كل شيء في الإنسان عادة” فهل ينطبق هذا الكلام على الكتابة؟ ومتى تتحول الكتابة عند الكاتب إلى مجرد عادة؟
**الكتابة الأدبية موهبة ما تلبث أن تصبح جزءاً من شخصية المرء ولا يتنفس إلا اذا كتب، وهذا ما أشعر به أغلب الأحيان، وهذا الأمر ينعكس مع الزمن على سوية الإبداع لدى الكاتب والعادة هي أسلوب عمل أدبي أصبح منهجاً للكثير، الإنسان هو الكائن الإنساني الأكثر تعقيداً وسلاسة معاً.
*متى تتحول الكتابة عند الكاتب إلى عبء كبير؟ وهل مررتَ بهكذا حالة؟
**ما دام الكاتب يكتب بصدق ويعبّر بصراحة عن فكرته من دون قيود لا يمكن أن تكون الكتابة عبئاً عليه، وتصبح الكتابة عبئاً على الكاتب عندما يكون ملزماً بكتابة نوع ما من الأدب لغاية ما، وهنا تكمن الصعوبة لأن الفكرة تبقى سجينة، وأنا لم أمرّ بهذه الحالة لأنني أكتب من روحي وعقلي وأستمتع بما أكتبه.
*هل تفكر في ماذا يريد القارئ فتحقق له ذلك أثناء الكتابة؟ أم أنك تكتب لنفسك أولاً؟
**أفكر كثيراً بالقارئ، وهو الأهم بالنسبة لي، وهو الذي يستطيع تقييمي، وبالتالي هو من يرفع من قيمة الكاتب الأدبية، وحتى لو كتبتُ لنفسي فإنني أراعي مشاعر القارئ وأفهمهالأنه من الضروري بمكان أن أفكر بعقل القارئ وإلا لن أكتب واترجم ما يدور بذهنه ويتمناه، علي أن أكون صديقاً وفياً له وإلا لن انجح في عملي الروائي.
*كنتَ أحد المشاركين في ورشة كتابة رواية “القطار الأزرق” فما خصوصية الكتابة الجماعية؟ ولماذا لا يُكتب لها الاستمرار برأيك؟
**تجربة التشاركية في رواية “القطار الأزرق” كانت عبارة عن حلم تحوّل إلى حقيقة بعد أن اجتمع عدد من الكتّاب الذين يمثلون سورية بكل أطيافها وهم يحملون أفكاراً ورؤى مختلفة، عندما يوجد الانسجام والوفاء والمحبة يبدع الإنسان، وهذا ما كنا فيه خلال عملنا في الرواية لأن الكتابة الجماعية تحتاج إلى الانسجام والتآلف والمحبة والسوية الأدبية واحترام رأي الآخر ومناقشته، ودون ذلك يكون مصيرها الفشل، وأكثر ما يهدد نجاحها الأنانية ومحاولة الاستحواذ على الريادة.
*هناك من يقول إن القصة اليوم في تراجع لصالح الرواية، فكيف تفسر ذلك وهي الأنسب لعصرنا السريع؟
**هذا الكلام صحيح لأن الرواية عبارة عن عالم ساحر ليس له حدود، وقد تفوقتْ على القصة القصيرة التي لا تعبّر عن كل ما يربده الكاتبومع هذا تبقى القصة القصيرة لها عشاقها وروادها، لكن الرواية عالم مختلف القواعد ولذلك لا نستغرب عدم نجاح كاتب الرواية أحياناً في القصة القصيرة، ربما لأن الرواية عملية جراحية معقدة أكثر من فكرة القصة القصيرة، إن الرواية بحر متلاطم الأمواج، يغري الروائي الماهر، والقصة بحيرة جميلة، لها خصوصيتها، وأعتقد أن وسائل التواصل وتطورها والانشغالات الكثيرة التي لا تتيح الوقت الكافي للقراءة تجعل البعض يعتقد أن القصة هي الأنسب لعصرنا السريع.
*بدأتَ بكتابة القصة وانتهيتَ إلى الرواية، فهل هذا ما كنتَ تريده أن يتحقق؟ أم أن أسباباً أخرى قادتك إلى الرواية؟
**كتبتُ القصة القصيرة في سنّ مبكرة، وكانت مجموعتي القصصية الأولى “عرس ليلة هادئة” عام من تحقيق د.عبد السلام العجيلي، وروايتي الأولى “مأساة رجل محترم” كانت عام ٢٠٠٤، ثم توالت إصداراتي وانحزتُ بشكل أكبر إلى الرواية لأنها تلبي طموحيالبدوي الذي يتسع مع اتساع البادية ويجري معطاءً كالفرات.
*ما هو الجزء الأصعب في كتابة الرواية بالنسبة لك؟ وما الذي يساعدك على تجاوزه؟
**الفكرة وزراعتها في تراب الورق لتنجب أزهاراً، وعلى الكاتب أن يستمر برعايتها وسقايتها وإلا فمصيرها الذبول ثم التلاشي.
*تشكل البيئة التي ينتمي إليها الكاتب شخصيته الإبداعية وتؤثر على نتاجه الأدبي، فماذا فعلتْ بك ككاتب مدينةُ الرقة التي تنتمي إليها؟
**أنا ابن البادية والفرات، تعلمتُ من البادية وتشربتُ من الفرات وتعلمتُ من الطبيعة والحقول على اتساعها كل شيء، وأستطيع القول أنني فراتيّ بامتياز، وأغلب كتاباتي يغلب عليها النفَس الصحراوي والفراتيّ.
*نبذة عن حياتك ومسيرتك في مجال الأدب؟
**أنا من محافظة الرقة أنتمي لأسرة فلاحية فيها، درست جميع المراحل الدراسية في مدارسها وتأثرت منذ صغري بأبي الذي كان يرتجل الشعر الشعبي ويحيك القصص الخيالية لمجالسيه، وفي المرحلة الإعدادية تأثرت بالقصص الذي كان يجلبها لي شقيقي الأكب، كتبت أول قصة “جذور تائهة” وأشرف عليها مدرس اللغة العربية الفلسطيني يوسف يوسف الذي شجعني عندما وجد لدي بذرة الإبداع إضافة إلى أساتذتي في المرحلة الثانوية سمير سمير وعبد الكريم ناصيف، حيث كانا يطلبان مني في حصص الفراغ قراءة ما أكتبه أمام الطلاب وبعد حصولي على شهادة الثانوية العامة عام 1986 درست الحقوق في جامعة حلب، و كانت لي مشاركات أدبية في الأمسيات التي تقام فيها، وفي عام 1996 أصدرت أول مجموعة قصصية “عرس ليلة هادئة” عن دار الشجرة بدمشقوكان اول من قرأها وأبدى إعجابه بها الدكتور عبد السلام العجيلي و لشدة تأثري بما قاله كتبت قصة بعنوان ” قصتي مع العجيلي ” كنت مشاركاً في الكثير من الأمسيات الأدبية التي كانت تقام في المركز الثقافي في الرقة وفي قاعة نقابة المحامين، وعندما عصفت الحرب هاجرت إلى مدينة دمشق، وفيها مارست مهنة المحاماة وأسست دار توتول للطباعة والنشر والتوزيع التي أصبحت خلال فترة وجيزة من دور النشر الرائدة في القطر، كما أطلقت جائزة توتول التي مازالت في دورتها السنوية تكرم أربعة أدباء يرعاهم الروائي المغترب مقبل الميلع ، كما أست مع الروائي الصحفي سهيل الذيب والروائي المسرحي محمد الحفري والإعلامي الروائي عماد نداف والروائي المغترب مقبل الميلع والكاتب جمال الزعبي مجموعة صومعة الأدب وهي التي بدورها تساعدني بالإشراف على عمل الدار ورعاية جائزة توتول، طموحي اليوم أن تصبح دار توتول مؤسسة إعلامية لا تقتصر على الطباعة والنشر والتوزيع بل مؤسسة للإنتاج التلفزيوني والسينمائي وأن يكون لأبناء سورية والرقة خصوصاً دوراً فاعلاً فيها،لي مجموعة كبيرة منالأعمال القصصية والروائية ونلت العديد من الجوائز: جائزة اتحاد الكتاب العرب 2017 عن قصة “الصرخة” و جائزة القدس للقصة القصيرة 2019عن قصة “سالم البطل” وجائزة رؤية للدراسات الإستراتيجية غزة 2017 وجائزة حنا مينة المرتبة الأولى 2020 عن روايتي “موعد مع الشمس”.